أحدهما: المنع فإن سب الذمي للمسلم جائز عنده لأنه يعتقد كفره وضلاله وإنما يحرمه عنده العهد الذي بيننا وبينه فلا فرق بينهما وإن فرض الكلام في سب خارج عن الدين مثل الرمي بالزنا والافتراء عليه ونحو ذلك فلا فرق في ذلك بين سب الرسول وسب الواحد من أهل الأمة ولا ريب أن الكافر إذا أسلم صار أخا للمسلمين يؤذيه ما يؤذيهم وصار معتقدا لحرمة أعراضهم وزال المبيح لانتهاك أعراضهم ومع ذلك لا يسقط حق المشتوم بإسلامه وقد تقدم هذا الوجه غير مرة.
الثاني: أن شاتم الواحد من الناس لو تاب وأظهر براءة المشتوم وأثنى عليه ودعا له بعد رفعه إلى السلطان كان له أن يستوفي حده مع ذلك فلا فرق بينه وبين شاتم الرسول إذا أظهر اعتقاد رسالته وعلو منزلته وسبب ذلك أن إظهار مثل هذه التوبة لا يزيل ما لحق المشتوم من الغضاضة والمعرة بل قد يحمل ذلك على خوف العقوبة وتبقى آثار السب الأول جارحة فإن لم يمكن المشتوم من أخذ حقه بكل حال لم يندمل جرحه.
قولهم:"القتل حق الرسالة وأما البشرية فإنما لها حقوق البشرية والتوبة تقطع حق الرسالة".
قلنا: لا نسلم ذلك بل هو من حيث هو بشر مفضل في بشريته على الآدميين تفضيلا يوجب قتل سابه ولو كان القتل إنما وجب لكونه قدحا في النبوة لكان مثل غيره من أنواع الكفر ولم يكن خصوص السب موجبا للقتل وقد قدمنا من الأدلة ما يدل على أن خصوص السب موجب للقتل وأنه ليس بمنزلة سائر أنواع الكفر ومن سوى بين الساب للرسول وبين المعرض عن تصديقه فقط في العقوبة فقد خالف الكتاب والسنة الظاهرة والإجماع الماضي وخالف المعقول وسوى بين الشيئين المتباينين