فقد حصل غرضه وكل فساد قصد إزالته بالكلية لم يجعل لفاعله سبيل إلى استبقائه بعد الأخذ كالزنى والسرقة وقطع الطريق فإن كان مقصود الشارع من تطهير الدار من ظهور كلمة الكفر والطعن في الدين أبلغ من مقصوده من تطهيرها من وجود هذه القبائح ابتغى أن يكون تحتم عقوبة من فعل ذلك أبلغ من تحتم عقوبة هؤلاء.
وفقه هذا الجواب أن تعلم أن ظهور الطعن في الدين من سب الرسول ونحوه فسادا عريض وراء مجرد الكفر فلا يكون حصول الإسلام ماحيا لذلك الفساد.
وأما الفرق الثالث قولهم:"إن الكافر لم يلتزم تحريم السب" فباطل فإنه لا فرق بين إظهاره لسب النبي صلى الله عليه وسلم وبين إظهاره لسب آحاد من المسلمين وبين سفك دمائهم وأخذ أموالهم فإنه لولا العهد لم يكن فرق عنده بيننا وبين سائر من يخالفه في دينه من المحاربين له ومعلوم أنه يستحل ذلك كله منهم ثم إنه بالعهد صار بذلك محرما عليه في دينه منا لأجل العهد فإذا فعل شيئا من ذلك أقيم عليه حده وإن أسلم سواء انتقض عهده بما يفعله أو لم ينتقض فتارة يجب عليه الحد مع بقاء العهد كما لو سرق أو قذف مسلما وتارة ينتقض عهده ولا حد عليه فيصير بمنزلة المحاربين وتارة يجب عليه الحد وينتقض عهده كما إذا سب الرسول أو زنى بمسلمة أو قطع الطريق على المسلمين فهذا يقتل وإن أسلم وعقوبة هذا النوع من الجنايات القتل حتما كعقوبة القاتل في المحاربة من المسلمين جزاء له على ما فعل من الفساد الذي التزم بعقد الإيمان أن لا يفعله مع كون مثل ذلك الفساد موجبا للقتل ونكالا لأمثاله عن فعل مثل هذا إذا علموا أنه لا يترك صاحبه حتى يقتل.
فهذا هو الجواب عما ذكر من الحجج للمخالف مع أن فيما تقدم من كلامنا ما يغني عن الجواب لمن تبينت له المآخذ والله سبحانه وتعالى أعلم.