في المعنى فإنه لا خلاف أنه لا يسقط في الموضع الذي لا يسقط حد المحارب بتوبته وإن اختلفت عباراتهم: هل ذلك لعدم الحكم بصحة التوبة أو لإفضاء سقوط الحد إلى المفسدة؟ فقال القاضي أبو يعلى وغيره وهو ممن أطلق الروايتين: التوبة غير محكوم بصحتها بعد قدرة الإمام عليه لجواز أن يكون أظهرها تقية من الإمام والخوف من عقوبته قال: ولهذا نقول في توبة الزاني والسارق والشارب: لا يحكم بصحتها بعد علم الإمام بحدهم وثبوته عنده وإنما يحكم بصحتها قبل ذلك قال: وقد ذكره أبو بكر في "الشافي" فقال: "إذا تاب يعني الزاني بعد أن قدر عليه فمن توبته أن يطهر بالرجم أو الجلد وإذا تاب قبل أن يقدر عليه قبلت توبته" فمأخذ القاضي أن نفس التوبة المحكوم بصحتها مسقطة للحد في كل موضع فلم يحتج إلى التقييد هو ومن سلك طريقته من أصحابه مثل الشريف أبي جعفر وأبي الخطاب ومأخذ أبي بكر وغيره الفرق بين ما قبل القدرة وبعدها في الجميع مع صحة التوبة بعد القدرة ويكون الحد من تمام التوبة فلهذا قيدوا فلا فرق في الحكم بين القولين والتقييد بذلك موجود في كلام الإمام أحمد نقل عنه أبو الحارث في سارق جاء تائبا ومعه السرقة فردها قبل أن يقدر عليه قال: "لم يقطع" وقال: قال الشعبي: "ليس على تائب قطع" وكذلك نقل حنبل ومهنا في السارق إذا جاء إلى الإمام تائبا: "يدرأ عنه القطع".
ونقل عنه الميموني في الرجل إذا اعترف بالزنا أربع مرات ثم تاب قبل أن يقام عليه الحد: إنه تقبل توبته ولا يقام عليه الحد وذكر قصة ماعز إذ وجد مس الحجر فهرب قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فهلا تركتموه" قال الميموني: وناظرته في مجلس آخر قال: إذا رجع عما أقر به لم يرجم قلت: فإن تاب؟ قال: من توبته أن يطهر بالرجم قال: ودار بيني وبينه الكلام غير مرة أنه إذا رجع لم يقم عليه وإن تاب فمن توبته أن يطهر بالجلد