في هذه الحال وكذلك لو تاب بعد أن أريد رفعه إلى السلطان والبينة بذلك ممكنة وهذا لا ريب فيه والذمي في ذلك كالملي إذا قيل:"إنه يقتل حدا" كما قررناه.
وأما إن أقر بالسب ثم تاب أو جاء تائبا منه فذهب المالكية أنه يقتل أيضا لأنه حد من الحدود والحدود لا تسقط عندهم بالتوبة قبل القدرة ولا بعدها ولهم في الزنديق إذا جاء تائبا قولان لكن قال القاضي عياض:"مسألته أقوى لا يتصور فيها الخلاف لأنه حق يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته بسببه لا تسقطه التوبة كسائر حقوق الآدميين" وكذلك يقول من يرى أنه يقتله حدا كما يقرر الجمهور ويرى أن التوبة لا تسقط الحد بحال كأحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وأما على المشهور في المذهبين من أن التوبة قبل القدرة تسقط الحد فقد ذكرنا أنما ذاك في حدود الله فأما حدود الآدميين من القود وحد القذف فلا تسقط بالتوبة فعلى هذا لا يسقط القتل عنه وإن تاب قبل القدرة كما لا يسقط القتل قودا عن قاطع الطريق إذا تاب قبل القدرة لأنه حق آدمي ميت فأشبه القود وحد القذف وهذا قول القاضي أبي يعلى وغيره وهو مبني على أن قتله حق لآدمي وأنه لم يعف عنه ولا يسقط إلا بالعفو وهو قول من يفرق بين من سب الله ومن سب رسوله وأما من سوى بين من سب الله ومن سب رسوله وقال: "إن الحدود تسقط بالتوبة قبل القدرة" فإنه يسقط القتل هنا لأنه حد من الحدود الواجبة لله تعالى تاب صاحبه قبل القدرة عليه وهذا موجب قول من قال: "إن توبته تنفعه فيما بينه وبين الله ويسقط عنه حق الرسول في الآخرة" وبه صرح بذلك غير واحد من أصحابنا وغيرهم لأن التوبة المسقطة لحق الله وحق العبد وجدت قبل أخذه لإقامة الحد عليه وذلك أن هذا الحد ليس له عاف عنه فإن لم تكن التوبة مسقطة له لزم أن يكون من الحدود ما لا تسقطه توبة قبل القدرة ولا عفو