قال: وأما من علم أنه سبه معتقدا لاستحلاله فلا شك في كفره بذلك وكذلك إن كان سبه في نفسه كفرا كتكذيبه أو تكفيره ونحوه فهذا ما لا إشكال فيه وكذلك من لم يظهر التوبة واعتراف بما شهد به وصمم عليه فهو كافر بقوله واستحلاله هتك حرمة الله أو حرمة نبيه وهذا أيضا تثبيت منه بأن السب يكفر به لأجل استحلاله له إذا لم يكن في نفسه تكذيبا صريحا.
وهذا موضع لا بد من تحريره ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة ويرحم الله القاضي أبا يعلي قد ذكر في غير موضع ما يناقض ما قاله هنا وإنما وقع من وقع في هذه المهواة ما تلقوه من كلام طائفة من متأخري المتكلمين وهم الجهمية الإناث الذين ذهبوا مذهب الجهمية الأولى في أن الإيمان هو مجرد التصديق الذي في القلب وإن لم يقترن به قول اللسان ولم يقتض عملا في القلب ولا في الجوارح وصرح القاضي أبو يعلى بذلك هنا قال عقب أن ذكر ما حكيناه عنه: وعلى هذا لو قال الكافر: "أنا معتقد بقلبي معرفة الله وتوحيده لكني لا آتي بالشهادتين كما لا آتي غيرها من العبادات كسلا" لم يحكم بإسلامه في الظاهر ويحكم به باطنا قال: وقول الإمام أحمد: "من قال إن المعرفة تنفع في القلب من غير أن يتلفظ بها فهو جهمي" محمول على أحد وجهين أحدهما: أنه جهمي في ظاهر الحكم والثاني: على أنه يمتنع من الشهادتين عنادا لأنه احتج أحمد في ذلك بأن إبليس عرف ربة بقلبه ولم يكن مؤمنا ومعلوم أن إبليس اعتقد أنه لا يلزم امتثال أمره تعالى بالسجود لآدم وقد ذكر القاضي في غير موضع أنه لا يكون مؤمنا حتى يصدق بلسانه مع القدرة وبقلبه وأن الإيمان قول وعمل كما هو مذهب الأئمة كلهم: مالك وسفيان والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق ومن قبلهم وبعدهم من أعيان الأمة.