كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَب} كما إذا قال: إنما قذفت هذا أو كذبت عليه لعبا وعبثا فإن قيل لا يكونون كفارا فهو خلاف نص القرآن وإن قيل يكونون كفارا فهو تكفير بغير موجب إذا لم يجعل نفس السب مكفرا وقول القائل أنا لا أصدقه في هذا لا يستقيم فإن التكفير لا يكون بأمر محتمل فإذا كان قد قال: "أنا أعتقد أن ذلك ذنب ومعصية وأنا أفعله" فكيف يكفر إن لم يكن ذلك كفرا؟ ولهذا قال سبحانه وتعالى:{لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ولم يقل قد كذبتم في قولكم إنما كنا نخوض ونلعب فلم يكذبهم في هذا العذر كما كذبهم في سائر ما أظهروه من العذر الذي يوجب براءتهم من الكفر كما لو كانوا صادقين بل بين أنهم كفروا بعد إيمانهم بهذا الخوض واللعب.
وإذا تبين أن مذهب سلف الأمة ومن اتبعهم من الخلف أن هذه المقالة في نفسها كفر استحلها صاحبها أو لم يستحلها فالدليل على ذلك جميع ما قدمناه في المسألة الأولى من الدليل على كفر الساب مثل قوله تعالى:{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وقوله تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} وما ذكرناه من الأحاديث والآثار فإنها أدلة بينة في أن نفس أذى الله ورسوله كفر مع قطع النظر عن اعتقاد التحريم وجودا وعدما فلا حاجة إلى أن نعيد الكلام هنا بل في الحقيقة كل ما دل على أن الساب كافر وأنه حلال الدم لكفره فقد دل على هذه المسألة إذ لو كان الكفر المبيح هو اعتقاد أن السب حلال لم يجز تكفيره وقتله حتى يظهر هذا الاعتقاد ظهورا تثبت بمثله الاعتقادات المبيحة للدماء