ومنشأ هذه الشهبة التي أوجبت هذا الوهم من المتكلمين ومن حذا حذوهم من الفقهاء أنهم رأوا أن الإيمان هو تصديق الرسول فيما أخبر به ورأوا أن اعتقاد صدقة لا ينافي السب والشتم بالذات كما أن اعتقاد إيجاب طاعته لا ينافي معصيته فإن الإنسان قد يهين من يعتقد وجوب إكرامه كما يترك ما يعتقد وجوب فعله ويفعل ما يعتقد وجوب تركه ثم رأوا أن الأمة قد كفرت الساب فقالوا: إنما كفر لأن سبه دليل على أنه لم يعتقد أنه حرام واعتقاد حله تكذيب للرسول فكفر بهذا التكذيب لا بتلك الإهانة وإنما الإهانة دليل على التكذيب فإذا فرض أنه في نفس الأمر ليس بمكذب كان في نفس الأمر مؤمنا وإن كان حكم الظاهر إنما يجري عليه بما أظهره فهذا مأخذ المرجئة ومعتضديهم وهو الذين يقولون: "الإيمان هو الاعتقاد والقول" وغلاتهم وهم الكرامية الذين يقولون: "هو مجرد القول وإن عري عن الاعتقاد" وأما الجهمية الذين يقولون: "هو مجرد المعرفة والتصديق بالقلب فقط وإن لم يتكلم بلسانه" فلهم مأخذ آخر وهو أنه قد يقول بلسانه ما ليس في قلبه فإذا كان في قلبه التعظيم والتوقير للرسول لم يقدح إظهار خلاف ذلك بلسانه في الباطن كما لا ينفع المنافق إظهار خلاف ما في قلبه في الباطن.
وجواب الشبهة الأولى من وجوه:
أحدها: أن الإيمان وإن كان أصله تصديق القلب فذلك التصديق لا بد أن يوجب حالا في القلب وعملا له وهو تعظيم الرسول وإجلاله ومحبته وذلك أمر لازم كالتألم والتنعم عند الإحساس بالمؤلم والمنعم وكالنفرة والشهوة عند الشعور بالملائم والمنافي فإذا لم تحصل هذه الحال والعمل في القلب لم ينفع ذلك التصديق ولم يغن شيئا وإنما يمتنع حصوله إذا عارضه معارض من حسد الرسول أو التكبر عليه أو الإهمال له وإعراض القلب عنه ونحو ذلك كما أن إدراك الملائم والمنافي يوجب اللذة والألم إلا أن يعارضه معارض ومتى حصل المعارض كان وجود