ذلك التصديق كعدمه كما يكون وجود ذلك كعدمه بل يكون ذلك المعارض موجبا لعدم المعلول الذي هو حال في القلب وبتوسط عدمه يزول التصديق الذي هو العلة فينقلع الإيمان بالكلية من القلب وهذا هو الموجب لكفر من حسد الأنبياء أو تكبر عليهم أو كره فراق الإلف والعادة مع علمه بأنهم صادقون وكفرهم أغلظ من كفر الجهال.
الثاني: أن الإيمان وإن كان يتضمن التصديق فليس هو مجرد التصديق وإنما هو الإقرار والطمأنينة وذلك لأن التصديق إنما يعرض للخبر فقط فأما الأمر فليس فيه تصديق من حيث هو أمر وكلام الله خبر وأمر فالخبر يستوجب تصديق المخبر والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام وهو عمل في القلب جماعه الخضوع والانقياد للأمر وإن لم يفعل المأمور به فإذا قوبل الخبر بالتصديق والأمر بالانقياد فقد حصل أصل الإيمان في القلب وهو الطمأنينة والإقرار فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد وإذا كان كذلك فالسب إهانة واستخفاف والانقياد للأمر إكرام وإعزاز ومحال أن يهين القلب من قد انقاد له وخضع واستسلم أو يستخف به فإذا حصل في القلب استخفاف واستهانة امتنع أن يكون فيه انقياد أو استسلام فلا يكون فيه إيمان وهذا هو بعينه كفر إبليس فإنه سمع أمر الله له فلم يكذب رسولا ولكن لم ينقد للأمر ولم يخضع له واستكبر عن الطاعة فصار كافرا وهذا موضع زاغ فيه خلق من الخلف: تخيل لهم أن الإيمان ليس في الأصل إلا التصديق ثم يرون مثل إبليس وفرعون ممن لم يصدر عنه تكذيب أو صدر عنه تكذيب باللسان لا بالقلب وكفره من أغلظ الكفر فيتحيرون