ولم أنهم هدوا لما هدي إليه السلف الصالح لعلموا أن الإيمان قول وعمل أعني في الأصل قولا في القلب وعملا في القلب فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته وكلام الله ورسالته يتضمن إخباره وأوامره فيصدق القلب إخباره تصديقا يوجب حالا في القلب بحسب المصدق به والتصديق هو من نوع العلم والقول وينقاد لأمره ويستسلم وهذا الانقياد والاستسلام هو نوع من الإرادة والعمل ولا يكون مؤمنا إلا بمجموع الأمرين فمتى ترك الانقياد كان مستكبرا فصار من الكافرين وإذا كان مصدقا فالكفر أعم من التكذيب يكون تكذيبا وجهلا ويكون استكبارا وظلما ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار دون التكذيب ولهذا كان كفر من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس وكان كفر من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالا وهو الجهل ألا ترى أن نفرا من اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن أشياء فأخبرهم فقالوا: نشهد أنك نبي ولم يتعبوه وكذلك هرقل وغيره فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق؟ ألا ترى أن من صدق الرسول بأن ما جاء به هو رسالة الله وقد تضمنت خبرا وأمرا فإنه يحتاج إلى مقام ثان وهو تصديقه خبر الله وانقياد لأمر الله فإذا قال:"أشهد أن لا إله إلا الله" فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره فإذا قال: "وأشهد أن محمدا رسول الله" تضمنت تصديق الرسول فيما جاء به من عند الله فبمجموع هاتين الشهادتين يتم الإقرار فلما كان التصديق لا بد منه في كلا الشهادتين وهو الذي يتلقى الرسالة بالقبول ظن من ظن أنه أصل لجميع الإيمان وغفل عن أن الأصل الآخر لا بد منه وهو الانقياد وإلا فقد يصدق الرسول ظاهرا وباطنا ثم يمتنع من الانقياد للأمر إذ غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه وتعالى كإبليس وهذا مما يبين