وقد ظن من سلكه أنه خلص بذلك من سؤالهم وليس الأمر كما اعتقده فإن الأدلة التي ذكرناها من الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار كلها تدل على السب بما يعتقده فيه دينا وما لا يعتقده فيه دينا وأن مطلق السب موجب للقتل ومن تأمل كل دليل بانفراده لم يخف عليه أنها جميعا تدل على السب المعتقد دينا كما تدل على السب الذي لا يعتقده دينا ومنها ما هو نص في السب الذي يعتقد دينا بل أكثرها كذلك فإن الذين كانوا يهجونه من الكفار الذين أهدر دماءهم لم يكونوا يهجونه إلا بما يعتقدونه دينا مثل نسبته إلى الكذب والسحر وذم دينه ومن اتبعه وتنفير الناس عنه إلى غير ذلك من الأمور فأما الطعن في نسبه أو خلقه أو أمانته أو وفائه أو صدقه في غير دعوى الرسالة فلم يكن أحدا يتعرض لذلك في غالب الأمر ولا يتمكن من ذلك ولا يصدقه أحد في ذلك لا مسلم ولا كافر لظهور كذبه وقد تقدم ذلك فلا حاجة إلى إعادته.
ثم نقول: هنا هذا الفرق متهافت من وجوه:
أحدها: أن الذمي لو أظهر لعنة الرسول أو تقبيحه أو الدعاء عليه بالسخط وجهنم والعذاب أو نحو ذلك فإن قيل: "ليس من السب الذي ينتقض به العهد" كان هذا قولا مردودا سمجا فإنه من لعن شخصا وقبحه لم يبق من سبه غاية وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن المؤمن كقتله" ومعلوم أن هذا أشد من الطعن في خلقه وأمانته أو وفائه وإن قيل: "هو سب له" فقد علم أن من الكفار من يعتقد ذلك دينا ويرى أنه من قرباته كتقريب المسلم بلعن مسيلمة والأسود العنسي.
الوجه الثاني: أنه على القول بالفرق المذكور إذا سبه بما لا يعتقده دينا مثل الطعن في نسبه أو خلقه أو خلقه ونحو ذلك فمن أين ينتقض عهده ويحل دمه؟ ومعلوم أنه قد أقر على ما هو أعظم من ذلك من الطعن في دينه الذي هو أعظم