أبعد جدا لأن السب لو كان بمنزلة الكفر عنده لم ينقض العهد ولوجب قتل الذمي وإذا لم يكن بمنزلة الكفر فإسلامه إما أن يسقط الكفر فقط أو يسقط الكفر وغيره من الجناية على عرض الرسول فأما إسقاطه لبعض الجنايات دون بعض مع استوائهما في مقدار العقوبة فلا يتبين له وجه محقق.
والاحتجاج بأن الإسلام يسقط عقوبة من سب الله فإسقاطه عقوبة من سب النبي أولى إن صح فإنما يدل على أن الإسلام يسقط عقوبة الساب مطلقا قذفا كان السب أو غير قذف ونحن في هذا المقام لا نتكلم إلا في التسوية بين أنواع السب لا في صحة هذه الحجة وفسادها إذ قد تقدم التنبيه على ضعفها وذلك لأن سب النبي إن جعل بمنزلة سب الله مطلقا وقيل بالسقوط في الأصل فيجب أن يقال بالسقوط في الفرع وإن جعل بمنزلة سب الخلق أو جعل موجبا للقتل حدا لله أو سوي بين السبين في عدم السقوط ونحو ذلك من المآخذ التي تقدم ذكرها فلا فرق في هذا الباب بين القذف وغيره في السقوط بالإسلام فإن الذمي لو قذف مسلما أو ذميا أو شتمه بغير القذف ثم أسلم لم يسقط عنه التعزير المستحق بالسب كما لا يسقط الحد المستحق بالقذف فعلم أنهما سواء في الثبوت والسقوط وإنما يختلفان في مقدار العقوبة بالنسبة إلى غير النبي أما بالنسبة إلى النبي فعقوبتهما سواء فلا فرق بينهما بالنسبة إليه البتة.
وإذ قد ذكرنا حكم الساب للرسول عليه الصلاة والسلام فنردفه بما هو من جنسه مما قد تقدم في الأدلة المذكورة بأصل حكمه فإن ذلك من تمام الكلام في هذه المسألة على ما لا يخفى ونفصله فصولا.