ثَلاثَة} إلى قوله:{أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} وهو سبحانه قد علم منه أنه يسقط حقه عن التائب فإن الرجل لو أتى من الكفر والمعاصي بملء الأرض ثم تاب تاب الله عليه وهو سبحانه لا تلحقه بالسب غضاضة ولا معرة وإنما يعود ضرر السب على قائله وحرمته في قلوب العباد أعظم من أن يهتكها جرأة الساب وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الرسول فإن السب هناك قد تعلق به حق آدمي والعقوبة الواجبة لآدمي لا تسقط بالتوبة والرسول تلحقه المعرة والغضاضة بالسب فلا تقوم حرمته وتثبت في القلوب مكانته إلا باصطلام سابه لما أن هجوه وشتمه ينقص من حرمته عند كثير من الناس ويقدح في مكانه في قلوب كثيرة فإن لم يحفظ هذا الحمى بعقوبة المنتهك وإلا أفضى الأمر إلى فساد.
وهذا الفرق يتوجه بالنظر إلى أن حد سب الرسول حقا لآدمي كما يذكره كثير من الأصحاب وبالنظر إلى أنه حق الله أيضا فإن ما انتهكه من حرمة الله لا ينجبر إلا بإقامة الحد فأشبه الزاني والسارق والشارب إذا تابوا بعد القدرة عليهم.
وأيضا فإن سب الله ليس له داع عقلي في الغالب وأكثر ما هو سب في نفس الأمر إنما يصدر عن اعتقاد وتدين يراد به التعظيم لا السب ولا يقصد الساب حقيقة الإهانة لعلمه أن ذلك لا يؤثر بخلاف سب الرسول فإنه في الغالب إنما يقصد به الإهانة والاستخفاف والدواعي إلى ذلك متوفرة من كل كافر ومنافق وصار من جنس الجرائم التي تدعوا إليها الطباع فإن حدودها لا تسقط بالتوبة بخلاف الجرائم التي لا داعي إليها.
ونكتة هذا الفرق أن خصوص سب الله تعالى ليس إليه داع غالب