الأوقات فيندرج في عموم الكفر بخلاف سب الرسول فإن لخصوصه دواعي متوفرة فناسب أن يشرع لخصوصه حد والحد المشروع لخصوصه لا يسقط بالتوبة كسائر الحدود فلما اشتمل سب الرسول على خصائص من جهة توفر الدواعي إليه وحرص أعداء الله عليه وأن الحرمة تنتهك به انتهاك الحرمات بانتهاكها وأن فيه حق لمخلوق تحتمت عقوبته لا لأنه أغلظ إثما من سب الله بل لأن مفسدته لا تنحسم إلا بتحتم القتل.
ألا ترى أنه لا ريب أن الكفر والردة أعظم إثما من الزنا والسرقة وقطع الطريق وشرب الخمر ثم الكافر والمرتد إذا تابا بعد القدرة عليهما سقطت عقوبتهما ولو تاب أولئك الفساق بعد القدرة لم تسقط عقوبتهم مع أن الكفر أعظم من الفسق ولم يدل ذلك على أن الفاسق أعظم إثما من الكافر؟ فمن أخذ تحتم العقوبة سقوطها من كبر الذنب وصغره فقد نأى عن مسالك الفقه والحكمة.
ويوضح ذلك أنا نقر الكفار بالذمة على أعظم الذنوب ولا نقر واحدا منهم ولا من غيرهم على زنى ولا سرقة ولا كبير من المعاصي الموجبة للحدود وقد عاقب الله قوم لوط من العقوبة بما لم يعاقبه بشرا في زمنهم لأجل الفاحشة والأرض مملوءة من المشركين وهم في عافية وقد دفن رجل قتل رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرات والأرض تلفظه في كل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أراكم هذا لتعتبروا" ولهذا يعاقب الفاسق الملي من الهجر والإعراض والجلد وغير ذلك بما لا يعاقب به الكافر الذمي مع أن ذلك أحسن حالا عند الله وعندنا من الكافر.
فقد رأيت العقوبات المقدورة المشروعة تتحتم حيث تؤخر عقوبة ما هو أشد منها وسبب ذلك أن الدنيا في الأصل ليست دار الجزاء وإنما الجزاء