يوم الدين يجزي الله العباد بأعمالهم: إن خبرا فخير وإن شرا فشر لكن ينزل الله سبحانه من العقاب ويشرع من الحدود بمقدار ما يزجر النفوس عما فيه فساد عام لا يخص فاعله أو ما يطهر الفاعل من خطيئته أو لتغلظ الجرم أو لما يشاء سبحانه فالخطيئة إذا خيف أن يتعدى ضررها فاعلها لم تنحسم مادتها إلا بعقوبة فاعلها فلما كان الكفر والردة إذا قبلت التوبة منه بعد القدرة لم تترتب على ذلك مفسدة تتعدى التائب وجب قبول التوبة لأن أحدا لا يريد أن يكفر أو يرتد ثم إذا أخذ أظهر التوبة لعلمه أن ذلك لا يحصل مقصوده بخلاف أهل الفسوق فإنه إذا أسقطت العقوبة عنهم بالتوبة كان ذلك فتحا لباب الفسوق فإن الرجل يعمل ما اشتهى ثم إذا أخذ قال: إني تائب وقد حصل مقصوده من الشهوة التي اقتضاها فكذلك سب الله هو أعظم من سب الرسول لكن لا يخاف أن النفوس تتسرع إلى ذلك إذا استتيب فاعله وعرض على السيف فإنه لا يصدر غالبا إلا عن اعتقاد وليس للخلق اعتقاد يبعثهم على إظهار السب لله تعالى وأكثر ما يكون ضجرا وبرما وسفها وروعه بالسيف والاستتابة تكف عن ذلك بخلاف إظهار سب الرسول فإن هناك دواعي متعددة تبعث عليه متى علم صاحبها أنه إذا أظهر التوبة كف عنه لم يزعه ذلك عن مقصوده.
ومما يدل على الفرق من جهة السنة أن المشركين كانوا يسبون الله بأنواع السب ثم لم يتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في قبول إسلام أحد منهم ولا عهد بقتل واحد منهم بعينه وقد توقف في قبول توبة من سبه مثل أبي سفيان وابن أبي أمية وعهد بقتل من كان يسبه من الرجال والنساء مثل الحويرث بن نقيد والقينتين وجارية لبني عبد المطلب ومثل الرجال والنساء الذين أمر بقتلهم بعد الهجرة وقد تقدم الكلام على تحقيق الفرق عند من يقول به بما هو أبسط من هذا في المسألة الثالثة.