وأما من قال:"لا تقبل توبة من سب الله سبحانه وتعالى كما لا تقبل توبة من سب الرسول" فوجهه ما تقدم من عمر رضي الله تعالى عنه من التسوية بين سب الله وسب الأنبياء في إيجاب القتل ولم يأمر بالاستتابة مع شهرة مذهبه في استتابة المرتد لكن قد ذكرنا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه يستتاب لأنه كذب النبي صلى الله عليه وسلم فيحمل ذلك على السب الذي يتدين به.
وأيضا فإن السب ذنب منفرد عن الكفر الذي يطابق الاعتقاد فإن الكافر يتدين بكفره ويقول: إنه حق ويدعوا إليه وله عليه موافقون وليس من الكفار من يتدين بما يعتقده استخفافا واستهزاء وسبا لله وإن كان في الحقيقة سبا كما أنهم لا يقولون: إنهم ضلال جهال معذبون أعداء الله وإن كانوا كذلك وأما الساب فإنه مظهر للتنقص والاستخفاف والاستهانة بالله منتهك لحرمته انتهاكا يعلم من نفسه أنه منتهك مستخف مستهزئ ويعلم من نفسه أنه قد قال عظيما وأن السماوات والأرض تكاد تنفطر من مقالته وتخر الجبال وأن ذلك أعظم من كل كفر وهو يعلم أن ذلك كذلك ولو قال بلسانه: "إني كنت لا أعتقد وجود الصانع ولا عظمته والآن فقد رجعت عن ذلك" علمنا أنه كاذب فإن فطرة الخلائق كلها مجبولة على الاعتراف بوجود الصانع وتعظيمه فلا شبهة تدعوه إلى هذا السب ولا شهوة له في ذلك بل هو مجرد سخرية واستهزاء واستهانة وتمرد على رب العالمين تنبعث عن نفس شيطانية ممتلئة من الغضب أو من سفيه لا وقار لله عنده كصدور قطع الطريق والزنى عن الغضب والشهوة وإذا كان كذلك وجب أن يكون للسب عقوبة تخصه حدا من الحدود وحينئذ فلا تسقط تلك العقوبة بإظهار التوبة كسائر الحدود.