للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومما يبين أن السب قدر زائد على الكفر قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} .

ومن المعلوم أنهم كانوا مشركين مكذبين معادين لرسوله ثم نهى المسلمون أن يفعلوا ما يكون ذريعة إلى سبهم لله فعلم أن سب الله أعظم عنده من أن يشرك به ويكذب رسوله ويعادي فلا بد له من عقوبة تختصه لما انتهكه من حرمة الله كسائر الحرمات التي تنتهكها بالفعل وأولى فلا يجوز أن يعاقب على ذلك بدون القتل لأن ذلك أعظم الجرائم فلا يقابل إلا بأبلغ العقوبات.

ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} فإنها تدل على قتل من يؤذي الله كما تدل على قتل من يؤذي رسوله والأذى المطلق إنما هو باللسان وقد تقدم تقرير هذا.

وأيضا فإن إسقاط القتل عنه بإظهار التوبة لا يرفع مفسدة السب لله تعالى فإنه لا يشاء شاء أن يفعل ذلك ثم إذا أخذ أظهر التوبة إلا فعل كما في سائر الجرائم الفعلية.

وأيضا فإنه لم ينتقل إلى دين يريد المقام عليه حتى يكون الانتقال عنه تركا له وإنما فعل جريمة لا تستدام بل هي مثل الأفعال الموجبة للعقوبات فتكون العقوبة على نفس تلك الجريمة الماضية ومثل هذا لا يستتاب عند من يعاقب على ذنب مستمر من كفر أو ردة.

وأيضا فإن استتابة مثل هذا توجب أن لا يقام حد على ساب لله فإنا نعلم أن ليس أحد من الناس مصرا على السب لله الذي يرى أنه سب فإن ذلك لا يدعو إليه عقل ولا طبع وكل ما أفضى إلى تعطيل الحدود بالكلية كان باطلا

<<  <   >  >>