ولما كان استتابة الفساق بالأفعال يفضي إلى تعطيل الحدود لم يشرع مع أن أحدهم قد لا يتوب من ذلك لما يدعوه إليه طبعه وكذلك المستتاب من سب الرسول فلا يتوب لما يستحله من سبه فاستتابة الساب لله الذي يسارع إلى إظهار التوبة منه كل أحد أولى أن لا يشرع إذا تضمن تعطيل الحد وأوجب أن تمضمض الأفواه بهتك حرمة اسم الله والاستهزاء به.
وهذا كلام فقيه لكن يعارضه أن ما كان بهذه المثابة لا يحتاج إلى تحقيق إقامة الحد ويكفي تعريض قائله للقتل حتى يتوب.
ولمن ينصر الأول أن يقول: تحقيق إقامة الحد على الساب لله ليس لمجرد زجر الطباع عما تهوى بل تعظيما لله وإجلالا لذكره وإعلاء لكلمته وضبطا للنفوس أن تتسرع إلى الاستهانة بجناية وتقييدا للألسن أن تتفوه بالانتقاص لحقه.
وأيضا فإن حد سب المخلوق وقذفه لا يسقط بإظهار التوبة فحد سب الخالق أولى.
وأيضا فحد الأفعال الموجبة للعقوبة لا تسقط بإظهار التوبة فكذلك حد الأقوال بل شأن الأقوال وتأثيرها أعظم.
وجماع الأمر أن كل عقوبة وجبت جزاء ونكالا على فعل أو قول ماض فإنها لا تسقط إذا أظهرت التوبة بعد الرفع إلى السلطان فسب الله أولى بذلك ولا ينتقض هذا بتوبة الكافر والمرتد لأن العقوبة هناك إنما هي على الاعتقاد الحاضر في الحال المستصحب من الماضي فلا يصلح نقضا لوجهين:
أحدهما: أن عقوبة الساب لله ليست كذنب استصحبه واستدامه