للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ لَهُ فِيمَا يزعمون: يابنَ عَمِّ، إنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِيكَ لِقَرَابَتِكَ وسِطَتِكَ١ فِي قومِك وَأَمَانَتِكَ، وحسنِ خُلقك، وَصِدْقِ حَدِيثِكَ، ثُمَّ عرضتْ عَلَيْهِ نفسَها،

وَكَانَتْ خديجةُ يَوْمئِذٍ أوسطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وأعظمهنَّ شَرَفًا، وَأَكْثَرَهُنَّ مَالًا، كُلُّ قومِها كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ منها لو يقدُرُ عليه.

نسب خديجة رضي الله عنها: وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلد بْنِ أسَد بْنِ عَبْدِ العُزَّى بْنِ قصَي بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّة بن كعب بن لُؤَي بن غالب بْنِ فِهْر، وَأُمُّهَا: فاطمةُ بنتُ زائدةَ بنِ الأصمِّ


١ السِّطَةُ: من الوسط، مصدر كالعِدة والزِّنة، والوسط من أوصاف المدح والتفضيل، ولكن في مقامين: في ذكر النسب، وفي ذكر الشهادة. أما النسب؛ فلأن أوسط القبيلة أعرفها، وأولاها بالصميم وأبعدها عن الأطراف، وأجدر أن لا تضاف إليه الدعوة؛ لأن الآباء والأمهات قد أحاطوا به من كل جانب، فكان الوسط من أجل هذا مدحًا في النسب بهذا السبب. وأما الشهادة فنحو قوله سبحانه: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: ٢٨] وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: ١٣٤] فكان هذا مدحًا في الشهادة؛ لأنها غاية العدالة في الشاهد أن يكون وسطًا كالميزان، لا يميل مع أحد، بل يصمم على الحق تصميمًا، لا يجذبه هوى، ولا يميل به رغبة، ولا رهبة. من ههنا، ولا من ههنا، فكان وصفه بالوسط غاية في التزكية والتعديل، وظن كثير من الناس أن معنى الأوسط: الأفضل على الإطلاق، وقالوا: معنى الصلاة الوسطى: الفُضْلى، وليس كذلك، بل هو في جميع الأوصاف لا مدح ولا ذم، كما يقتضي لفظ التوسط، فإذا كان وسطًا في السِّمَن، فهي بين المُمِخةِ –السمينة– والعجفاء، والوسط في الجمال بين الحسناء والشَّوهاء،.. إلى غير ذلك من الأوصاف، لا يعطي مدحًا، ولا ذمًا، غير أنهم قد قالوا في المثل: أثقل من مُغَن وسط على الذم؛ لأن المغنى إن كان مجيدًا جدًّا أمتع وأطرب، وإن كان باردًا جدًّا أضحك وألهى، وذلك أيضًا مما يُمْتع. قال الجاحظ: "وإنما الكرب الذي يَجْثُمُ على القلوب، ويأخذ بالأنفاس، الغناء الفاتر الوسط الذي لا يمتع بحُسن، ولا يضحك بلهو.." وإذا ثبت هذا فلا يجوز أن يقال في رسول اللَه -صلى الله عليه وسلم- هو: أوسط الناس. أي: أفضلهم، ولا يوصف بأنه وسط في العلم، ولا في الجود، ولا في غير ذلك إلا في النسب والشهادة، كما تقدّم والحمد لله، والله المحمود. عن: "الروض الأنف من تحقيقنا ج١ ص٢١٢-٢١٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>