للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ الحِلِّ إلَى الحَرم إذَا جَاءُوا حُجاجًا أو عُمَّارًا، ولا يطوفون بِالْبَيْتِ إذَا قَدِموا أولَ طوافهمِ إلَّا فِي ثِيَابِ الحُمْس. فَإِنَّ لَمْ يَجِدُوا مِنْهَا شَيْئًا طافوا بالبيت عُراةَ.

اللَّقىَ عند الحمس: فإن تكرَّمنهم متُكرِّم من رجل أو امرأة، ولم يجدوا ثِيَابَ الْحُمْسِ؛ فَطَافَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مِنْ الحِل، أَلْقَاهَا إذَا فرغِ مِنْ طَوَافِهِ، ثُمَّ لَمْ ينتفعْ بِهَا، وَلَمْ يَمَسَّها هو، ولا أحدٌ غيرُه أبدا.

وكانت الْعَرَبُ تُسمى تِلْكَ الثِّيَابَ: اللَّقَى، فَحَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ العربَ.

فَدَانَتْ بِهِ، وَوَقَفُوا عَلَى عرفَاتٍ، وَأَفَاضُوا مِنْهَا، وَطَافُوا بِالْبَيْتِ عُراةً، أَمَّا الرِّجَالُ فَيَطُوفُونَ عُرَاةً، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَتَضَعُ إحْدَاهن ثيابَها كلَّها إلَّا دِرْعًا مُفَرَّجًا عَلَيْهَا، ثُمَّ تَطُوفُ فِيهِ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ١، وَهِيَ كَذَلِكَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ:

اليومَ يَبْدو بَعْضُهُ، أَوْ كُلُّهُ ... وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أحِلُّه

وَمَنْ طَافَ مِنْهُمْ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا مِنْ الْحِلِّ أَلْقَاهَا؛ فَلَمْ يَنْتَفِعُ بِهَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْعَرَبِ يَذْكُرُ شَيْئًا تَرَكَهُ مِنْ ثِيَابِهِ، فَلَا يَقْرَبُهُ، وَهُوَ يُحِبُّهُ:

كَفَى حَزَنًا كَرِّي عَلَيْهَا كَأَنَّهَا ... لَقًى بَيْنَ أيدي الطائفين حَريمُ

يقول: لا تمس٢.


١ هذه المرأة هي: ضُبَاعة بنت عامر بن صعصعة، ثم من بني سلمة بن قُشَيْر. وذكر محمد بن حبيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها، فذُكرت له عنها كبرة، فتركها، فقيل: إنها ماتت كمدًا وحُزنًا على ذلك. قال ابن حبيب: إن كان صح هذا، فلما أخرها عن أن تكون أمًّا للمؤمنين، وزوجًا لرسول رب العالمين إلا قولها: اليوم يبدو بعضُه أو كلُّه، تَكرِمة من الله لنبيه وعِلمًا منه بغَيْرته، والله أغير منه.
٢ ومن اللَّقَى: حديث فاختة أم حكيم بن حزام، وكانت دخلت الكعبة وهي حامل مُتِمُّ بحكيم بن حزام، فأجاءها المخاض، فلم تستطع الخروج من الكعبة، فوضعته فيها، فلُفَّت في الأنطاع هي وجنينها، وطرح مثبرها وثيابها التي كانت عليها، فجعلت لقَى لا تُقرب.
ولم يذكر الطَّلْس من العرب، وهم صنف ثالث غير الحلة والحمس، كانوا يأتون من أقصى اليمن طُلْسًا من الغبار، فيطوفون بالبيت في تلك الثياب الطُّلْس، فسُموا بذلك. ذكره محمد بن حبيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>