للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإسلام يبطل عادات الحمس: فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ حَيْنَ أَحْكَمَ لَهُ دِينَهُ، وَشَرَعَ لَهُ سُنَنَ حَجِّهِ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٩٩] يَعْنِي قُرَيْشًا، وَالنَّاسُ: الْعَرَبُ، فَرَفَعَهُمْ فِي سُنَّةِ الْحَجِّ إلَى عَرَفَاتٍ وَالْوُقُوفِ عَلَيْهَا وَالْإِفَاضَةِ مِنْهَا.

وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِيمَا كَانُوا حرَّموا عَلَى النَّاسِ مِنْ طَعَامِهِمْ وَلَبُوسِهِمْ عِنْدَ الْبَيْتِ، حَيْنَ طَافُوا عُراةً، وحرَّموا مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ الْحِلِّ مِنْ الطَّعَامِ: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣١، ٣٢] ١، فَوَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَ الحُمْس، وَمَا كَانَتْ قريش ابتدعت منه، عن النَّاسِ بِالْإِسْلَامِ، حَيْنَ بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رسولَه صلى الله عليه وسلم.

الرسول صلى الله عليه وسلم يخالف الحمْس قبل الرسالة: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمرو بْنِ حَزْم، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْر بْنِ مُطْعِم، عَنْ عَمِّهِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبير بْنِ مُطْعم. قَالَ: لَقَدْ رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَإِنَّهُ لَوَاقِفٌ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ بِعَرَفَاتٍ مَعَ النَّاسِ مِنْ بَيْنَ قَوْمِهِ حَتَّى يدفعَ مَعَهُمْ مِنْهَا تَوْفِيقًا مِنْ اللَّهِ لَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم تسليمًا كثيرًا٢.


١ قوله: وكلوا واشربوا إشارة إلى ما كانت الحمس حرمته من طعام الحج إلا طعام أحمس، وخذوا زينتكم: يعني اللباس، ولا تتعروا، ولذلك افتتح بقوله: {يَا بَنِي آدَم} ، بعد أن قص خبر آدم وزوجه. إذ يخصفان عليهما من ورق الجنة، أي: إن كنتم تحتجون بأنه دين آبائكم، فآدم أبوكم، ودينه: ستر العورة.
٢ حتى لا يفوته ثوابَ الحج، والوقوف بعرفة. قال جُبَيْر بن مُطْعم حين رآه واقفًا بعرفة مع الناس: هذا رجل أحمس، فما باله لا يقف مع الحمس حيث يقفون؟

<<  <  ج: ص:  >  >>