للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سواد بن قارب يحدث عمر بن الخطاب عن صاحبه من الجن: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، مَوْلَى عثمانَ بْنِ عَفَّانَ، أَنَّهُ حُدِّث: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخطاب، بينما هو جالس فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ١ مِنْ الْعَرَبِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، يُرِيدُ عمرَ بنَ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: إنَّ هَذَا الرَّجُلُ لعلَى شِركه مَا فَارَقَهُ بعدُ، ولقد كَانَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فسلَّم عَلَيْهِ الرَّجُلُ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- هَلْ أَسْلَمْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ لَهُ: فَهَلْ كُنتَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَقَدْ خِلْتَ فِيّ٢، وَاسْتَقْبَلْتنِي بِأَمْرٍ مَا أَرَاكَ قلتَه لِأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ مُنْذُ وليتَ مَا وليتَ، فَقَالَ عُمَرُ: اللهمَّ غُفرًا، قَدْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى شَرٍّ مِنْ هَذَا، نَعْبُدُ الأصنامَ، وَنَعْتَنِقُ الأوثانَ، حَتَّى أَكْرَمْنَا اللَّهُ بِرَسُولِهِ وبالإِسلام، قَالَ: نَعَمْ، وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ كنتُ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فأخبرْني مَا جَاءَكَ بِهِ صاحبُك، قَالَ: جَاءَنِي قَبْلَ الإِسلام بِشَهْرٍ أَوْ شَيْعه٣، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ إلَى الْجِنِّ وَإِبْلَاسِهَا، وَإِيَاسِهَا مِنْ دِينِهَا، ولحوقها بالقلاص وأحلامها.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْكَلَامُ سَجْعٌ، وَلَيْسَ بِشِعْرٍ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَ ذَلِكَ يُحَدِّثُ النَّاسَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَعِنْدَ وَثَنٍ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدْ ذَبح لَهُ رجلٌ مِنْ الْعَرَبِ عِجْلًا، فَنَحْنُ نَنْتَظِرُ قَسْمَه


١ هو سواد بن قارب الدوسيُّ في قول ابن الكلبي، وقال غيره: هو سدوسي.
٢ خِلْت فِيَّ: هو من باب حذف الجملة الواقعة بعد خِلت وظننت، كقولهم في المثل: "من يسمع يَخَل"، ولا يجوز حذف أحد المفعولين مع بقاء الآخر؛ لأن حكمهما حكم الابتداء والخبر، فإذا حذفت الجملة كلها جاز؛ لأن حكمهما حكم المفعول، والمفعول قد يجوز حذفه، ولكن لا بد من قرينة تدل على المراد، ففي قولهم: من "يسمع يَخَل" دليل يدل على المفعول، وهو يسمع، وفي قوله، "خلت في" دليل أيضًا، وهو قوله: فِيَّ، كأنه قال: خلت الشر فيَّ أو نحو هذا. انظر: "الروض الأنف بتحقيقنا ج١ ص٢٤٢".
٣ شَيْعه أي: دونه بقليل، وشيع كل شيء: ما هو تبع له، وهو من الشّياع وهي: حطب صغار تجعل مع الكبار تبعًا لها، ومنه: المُشَيَّعة، وهي: الشاة تتبع الغنم؛ لأنها دونها في القوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>