للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَنِي قُرَيْظَةَ، كَانُوا مَعَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ ثُمَّ كانوا ساداتهم في الإسلام، قال: قلت: لا، قَالَ: فَإِنَّ رَجُلًا مِنْ يَهُودَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الهيَبان١، قَدِم عَلَيْنَا قُبَيْل الْإِسْلَامِ بِسِنِينَ، فَحَلَّ بينَ أَظْهُرِنَا، لَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطْ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أفضلَ مِنْهُ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا فَكُنَّا إذَا قحَط عنا المطر قلنا له: اخرج يابن الهيِّبان فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا وَاَللَّهِ، حَتَّى تُقدِّموا بَيْنَ يدَيْ مخرجِكم صَدَقَةً، فَنَقُولُ لَهُ: كَمْ؟ فَيَقُولُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ مُدَّيْن مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ: فَنُخْرِجُهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ بِنَا إلَى ظَاهِرِ حَرَّتنا، فَيَسْتَسْقِي اللَّهُ لَنَا، فَوَاَللَّهِ ما يبرح مجلسه، حتى تمرَّ السحابةُ ونُسْقَى، قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غيرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ. قَالَ: ثُمَّ حَضَرَتْهُ الوفاةُ عندَنا، فلما عَرَف أنه ميِّت، قال: أيا مَعْشَرَ يَهُودَ، مَا ترونَه أَخْرَجَنِي مِنْ أرضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ؟ قَالَ: قُلْنَا: إنَّكَ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنِّي إنَّمَا قَدِمْتُ هَذِهِ الْبَلْدَةَ أتوكَّف خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أظلَّ زَمَانُهُ. وَهَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهاجَرُه، فكنتُ أَرْجُو أَنْ يُبْعث، فَأَتَّبِعَهُ، وَقَدْ أَظَلَّكُمْ زَمَانُهُ، فَلَا تُسْبَقُنَّ إلَيْهِ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، فَإِنَّهُ يُبعث بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ مِمَّنْ خَالَفَهُ، فَلَا يَمْنَعْكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ.

فَلَمَّا بُعث رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَاصَرَ بَنِي قُرَيْظة، قَالَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ، وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، وَاَللَّهِ إنَّهُ لِلنَّبِيِّ الَّذِي كَانَ عَهِدَ إلَيْكُمْ فِيهِ ابْنُ الهيِّبان، قَالُوا: لَيْسَ بِهِ، قَالُوا: بَلَى وَاَللَّهِ، إنَّهُ لَهُوَ بِصِفَّتِهِ، فَنَزَلُوا وَأَسْلَمُوا، وَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا مَا بَلَغَنَا عَنْ أَخْبَارِ يهود.


١ والهيبان من المسمين بالصفات، يقال: قُطن هَيِّبان أي: منتفش، وأنشد أبو حنيفة الدينوري:
تُطيِر اللغَام الْهَيَّبان كأنه ... جَنَى عُشَرٍ تنفيه أشداقها الهُدْل
والْهَيبَان أيضًا: الجبان.

<<  <  ج: ص:  >  >>