للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حديث إسلام سلمان رضي اللهّ عنه:

سلمان -رضي الله عنه- يتشوَّف إلى النصرانية بعد المجوسية: قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عُمر بْنِ قَتادة الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبيد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمان الفارسي مِنْ فِيه قَالَ: كنتُ رَجُلًا فَارِسِيًّا مِنْ أهل إصبهان١ من أهل قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: جَيّ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَان قَرْيَتِهِ، وكنتُ أحبَّ خَلْقِ اللَّهِ إلَيْهِ، لَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحبس الْجَارِيَةُ. وَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطْنَ النَّارِ الَّذِي يُوقِدُهَا لَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً. قَالَ: وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعة عظيمة، قال: فشُغل فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إنِّي قَدْ شُغلت فِي بُنْيَانِي هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعتي فَاذْهَبْ إلَيْهَا، فاطَّلِعْها -وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ- ثُمَّ قَالَ لِي: وَلَا تحتبسْ عَنِّي؟ فَإِنَّكَ إنْ احْتَبَسْتَ عَنِّي كنتَ أهمَّ إليَّ مِنْ ضَيْعتي، وشغلْتني عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي. قَالَ: فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعتَه الَّتِي بَعَثَنِي إلَيْهَا، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ، لِحَبْسِ أَبِي إيَّايَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا سمعتُ أصواتَهم دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ، أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ، أَعْجَبَتْنِي صَلَاتُهُمْ، وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ، وَقُلْتُ: هَذَا وَاَللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، فَوَاَللَّهِ مَا بَرِحْتُهم حَتَّى غَرَبت الشَّمْسُ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي فَلَمْ آتِهَا، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ. فَرَجَعْتُ إلَى أَبِي، وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي، وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ، فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ أَيْنَ كُنْتَ؟ أوَلَمْ أَكُنْ عهدتُ إلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ، مررتُ بِأُنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ، فَوَاَللَّهِ مَا زِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبت الشَّمْسُ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خيرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كلاَّ وَاَللَّهِ، إنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا. قَالَ: فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رجليَّ قَيدًا؛ ثُمَّ حَبَسَنِي في بيته.

سلمان يهرب إلى الشام: قَالَ: وَبَعَثْتُ إلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ: إذَا قَدِم عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ. قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تجارٌ من النصارى، فأخبروني بهم


١ إصبهان: هكذا قيده البكري في كتاب المعجم بالكسر في الهمزة، وإصبَه بالعربية: فرس، وقيل: هو العسكر، فمعنى الكلمة: موضع العسكر أو الخيل، أو نحو هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>