فَأَقَمْتُ بِهَا، وبُعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ، لَا أَسْمَعُ لَهُ بِذكَرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرقِّ، ثُمَّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ.
سلمان يسمع بهجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلَى الْمَدِينَةِ: فَوَاَللَّهِ إنِّي لَفِي رَأْسِ عذْق لِسَيِّدِي أَعْمَلُ لَهُ فِيهِ. بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ تَحْتِي، إذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا فلانُ، قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلة، وَاَللَّهِ إنَّهُمْ الْآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ.
نَسَبُ قَيْلَةَ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَيْلة: بِنْتُ كَاهِلِ بْنِ عُذْرَة بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْد بن أسْلم بن الْحاف بن قُضاعة، أُمُّ الأوْس وَالْخَزْرَجِ.
قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ يَمْدَحُ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ:
بهاليلُ مِنْ أولادِ قَيْلة لَمْ يَجِدْ ... عَلَيْهِمْ خَلِيطٌ فِي مُخالطةٍ عُتْبا
مساميحُ أَبْطَالٌ يُرَاحُون للندَى ... يَرَوْنَ عَلَيْهِمْ فِعلَ آبَائِهِمْ نَحْبَا
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمر بن قتادة الأنصاري، عن محمود بن لَبيد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ سَلْمان: فلما سمعتها أخذني العُرَوْراء. قال ابن هشام: العُرَوْراء: الرِّعْدَةُ مِنْ الْبَرْدِ وَالِانْتِفَاضُ، فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ عَرَقٌ فَهِيَ الرُّحَضاء، وَكِلَاهُمَا مَمْدُودٌ -حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي، فَنَزَلْتُ عَنْ النَّخْلَةِ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ: مَاذَا تَقُولُ؟ فَغَضِبَ سَيِّدِي، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا؟ أقبلْ عَلَى عَمَلِكَ، قَالَ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ، إنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أستثبته عما قال.
سلمان يستوثق من رسالة محمد، صلى الله عليه وسلم: قَالَ: وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ، ثُمَّ ذَهَبْتُ بِهِ إلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بقُبَاء، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أحقَّ بِهِ مِنْ غيرِكم، قَالَ: فقرَّبته إلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَأَمْسَكَ يَدَهُ، فَلَمْ يَأْكُلْ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ. قَالَ: ثُمَّ انصرفتُ عَنْهُ، فَجَمَعْتُ شَيْئًا، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- إلى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute