للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَجَاءَنِي جبريلُ، وَأَنَا نَائِمٌ١، بِنَمَطٍ مِنْ دِيباجٍ٢ فيه


١ قال في الحديث: فأتاني وأنا نائم، وقال في آخره: فهببت من نومي، فكأنما كُتِبَت في قلبي كتابًا، وليس ذكر النوم في حديث عائشة ولا غيرها، بل في حديث عروة عن عائشة ما يدل ظاهره على أن نزول جبريل نزل بسورة اقرأ، كان في اليقظة؛ لأنها قالت في أول الحديث: "أول ما بُدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حَبَّب الله إليه الخلاء -إلى قولها- حتى جاءه الحق وهو بغار حراء، فجاءه جبريل"، فذكرت في هذا الحديث أن الرؤيا كانت قبل نزول جبريل على النبي -عليه السلام- بالقرآن، وقد يمكن الجمع بين الحديثين بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءه جبريل في المنام قبل أن يأتيه في اليقظة توطئة وتيسيرًا عليه ورفقًا به؛ لأن أمر النبوة عظيم، وعبؤها ثقيل، والبشر ضعيف، وسيأتي في حديث الإسراء من مقالة العلماء ما يؤكد هذا ويصححه.
وقد ثبت بالطرق الصحاح عن عامر الشعبي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكُل به إسرافيل، فكان يتراءى له ثلاث سنين، ويأتيه بالكلمة من الوحي والشيء، ثم وُكل به جبريل فجاءه بالقرآن والوحي، فعلى هذا كان نزول الوحي عليه، صلى الله عليه وسلم، في أحوال مختلفة، فمنها: النوم كما في حديث ابن إسحاق.
ومنها: أن يُنْفثَ في روعه الكلام نَفْثًا، كما قال، عليه السلام: "إن روح القدس نفث في رُوعِي أن نفسًا لن تموت، حتى تستكمل أجلها ورزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".
ومنها أن يأتيه الوحي في مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليه. وقيل: إن ذلك ليستجمع قلبه عند تلك الصلصلة، فيكون أوعى لما يسمع، وألقن لما يُلَقَّى.
ومنها: أن يتمثل له الملك رجلاً، فقد كان يأتيه في صورة دِحية بن خليفة.
ومنها: ينتشر منها أن يتراءى له جبريل في صورته التي خلقه الله فيها، له ستمائة جناح، ينتشر منها اللؤلؤ والياقوت.
ومنها: أن يكلمه الله من وراء حجاب: إمّا في اليقظة كما كلمه في ليلة الإسراء، وإما في النوم، كما قال في حديث معاذ الذي رواه الترمذي، قال: "أتاني ربي في أحسن صورة....".
٢ فيه دليل وإشارة إلى أن هذا الكتاب يفتح على أمته ملك الأعاجم، ويسلبونهم الديباج والحرير الذي كان زينهم وزينتهم، وبه أيضًا ينال مُلك الآخرة، ولباس الجنة وهو الحرير والديباج.

<<  <  ج: ص:  >  >>