للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَوْ كَانَ أَحْجَارِي مَعَ الأجْداف١

يُرِيدُ: الْأَجْدَاثَ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَبَيْتُ أَبِي طَالِبٍ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهَا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: فَمَّ، فِي مَوْضِعِ: ثُمَّ، يُبْدِلُونَ الْفَاءَ مِنْ الثَّاءِ.

قَالَ ابن إسحاق: حدثني وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ عُبَيد: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُجَاوِرُ٢ ذَلِكَ الشهرَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، يُطعم مَنْ جَاءَهُ مِنْ الْمَسَاكِينِ، فَإِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جوارَه، مِنْ شَهْرِهِ ذَلِكَ، كَانَ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ -إذَا انْصَرَفَ مِنْ جِوَارِهِ- الْكَعْبَةَ، قَبْلَ أَنْ يدخلَ بيتَه، فيطوفُ بِهَا سَبْعًا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ.

حَتَّى إذَا كَانَ الشهرُ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ، من السنة التي بعثه اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا، وَذَلِكَ الشهرُ: شهرُ رَمَضَانَ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى حِراء، كَمَا كَانَ يَخْرُجُ لجوارِه وَمَعَهُ أهلُه، حَتَّى إذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللهُ فِيهَا بِرِسَالَتِهِ وَرَحِمَ العبادَ بِهَا، جَاءَهُ جبريلُ -عليه السلام- بأمر الله تعالى.


١ وفي بيت رؤبة هذا شاهد ورد على ابن جني حيث زعم في سر صناعة الإعراب أن جدف بالفاء لا يجمع على أجداف، واحتج بهذا لمذهبه في أن الثاء هي الأصل، وقول رؤبة رد عليه، والذي نذهب إليه أن الفاء هي الأصل في هذا الحرف؛ لأنه من الجدف وهو القطع، ومنه مجداف السفينة، وفي حديث عمر في وصف الجن: "شرابهم الجَدَفُ" وهي الرغْوَة؛ لأنها تُجْدَف عن الماء، وقيل: هي نبات يقطع ويؤكل. وقيل: كل إناء كشف عنه غطاؤه: جدف والجدف: القبر من هذا، فله مادة وأصل في الاشتقاق، فأجدر بأن تكون الفاء هي الأصل والثاء داخلة عليها.
٢ الجوار بالكسر في معنى المجاورة وهي الاعتكاف إلا من وجه واحد، وهو أن الاعتكاف لا يكون إلا داخل المسجد، والجوار قد يكون خارج المسجد، كذلك قال ابن عبد البر ولذلك لم يُسَمَّ جواره بحراء اعتكافًا؛ لأن حراء ليس من المسجد، ولكنه من جبال الحرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>