للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آذَيْتُمُونَا وَقَهَرْتُمُونَا، حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ مَخْرَجًا. قَالَتْ: فَقَالَ: صَحِبَكُمْ اللَّهُ، وَرَأَيْتُ لَهُ رِقَّةً لَمْ أَكُنْ أَرَاهَا، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ أَحْزَنَهُ -فِيمَا أَرَى- خروجُنا. قَالَتْ: فَجَاءَ عَامِرٌ بِحَاجَتِهِ تِلْكَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَوْ رأيتَ عُمر آنِفًا وَرِقَّتَهُ وحزنَه عَلَيْنَا. قَالَ: أطمعتِ فِي إسْلَامِهِ؟

قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ؛ قَالَ: فَلَا يُسْلِمُ الَّذِي رَأَيْتِ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ، قَالَتْ: يَأْسًا مِنْهُ، لِمَا كَانَ يَرَى من غلظته وقسوته عن الِإسلام.

سبب إسْلَامِ عُمَرَ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ إسْلَامُ عُمَرَ فِيمَا بَلَغَنِي أَنَّ أُخْتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْخَطَّابِ وَكَانَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ زَيْد بْنِ عَمرو بْنِ نُفَيل، وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ بَعْلُها سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَهُمَا مُسْتَخْفِيَانِ بِإِسْلَامِهِمَا مِنْ عُمَرَ، وَكَانَ نُعَيم بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النحام من مكة، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، مِنْ بَنِي عَدِي بْنِ كَعْبٍ قَدْ أَسْلَمَ، وَكَانَ أَيْضًا يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِ فَرَقا مِنْ قَوْمِهِ، وَكَانَ خَبَّابُ بْنُ الأرَت١ يَخْتَلِفُ إلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْخَطَّابِ يُقرئها الْقُرْآنَ، فَخَرَجَ عُمَرُ يَوْمًا مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَهْطًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ ذُكروا لَهُ أَنَّهُمْ قَدْ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصَّفَا، وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مَا بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمُّهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ الصِّدِّيقُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- مِمَّنْ كان أقام مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَخْرَجْ فِيمَنْ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. فَلَقِيَهُ نُعَيم بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أُرِيدُ محمدًا هذا الصابئ، والذي فَرَّقَ أمرَ قُرَيْشٍ، وَسَفَّهُ أَحْلَامَهَا، وَعَابَ دِينَهَا، وَسَبَّ آلِهَتَهَا، فَأَقْتُلَهُ؛ فَقَالَ لَهُ نُعَيْمٌ: وَاَللَّهِ لَقَدْ غَرَّتْكَ نَفْسُكَ مِنْ نَفْسِكَ يَا عُمَرُ، أَتَرَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ تَارِكِيكَ تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ قَتَلْتَ مُحَمَّدًا! أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى أَهْلِ بَيْتِكَ فَتُقِيمَ أمرَهم؟ قَالَ: وَأَيُّ أَهْلِ بَيْتِي؟ قَالَ: خَتْنك وَابْنُ عَمِّكَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمرو، وَأُخْتُكَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ: فَقَدْ وَاَللَّهِ أَسْلَمَا، وَتَابَعَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ، فَعَلَيْكَ بِهِمَا. قَالَ: فَرَجَعَ عُمَرُ عَامِدًا إلَى أُخْتِهِ وَخَتَنِهِ، وَعِنْدَهُمَا خبابُ بْنُ الأرَتِّ مَعَهُ صَحِيفَةٌ، فِيهَا: "طَه" يُقرئهما إيَّاهَا، فَلَمَّا سَمِعُوا حس عمر، تغيب خَبَّاب


١ وكان خباب تميمًا بالنسب، كما كان خزاعيًّا بالولاء لأم أنمار بنت سباع الخزاعي، وكان قد وقع عليه سباء، فاشترته وأعتقته، فولاؤه لها. وكان أبوها حليفًا لعوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة، فهو زهرى بالحلف. وهو ابن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن زيد بن مناة بن تميم، كان قينًا يعمل السيوف في الجاهلية. انظر: "الروض الأنف، بتحقيقنا، ج٢ ص٩٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>