للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَرحوا يخوِّفونني أمرَك حَتَّى سَددت أُذُنَيَّ بكُرْسُف لِئَلَّا أسمعَ قَوْلَكَ، ثُمَّ أَبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يُسمعني قولَك، فَسَمِعْتُهُ قَوْلًا حَسَنًا، فَاعْرِضْ عليَّ أمرَك. قَالَ: فَعَرَضَ عليَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإسلامَ، وَتَلَا عليَّ الْقُرْآنَ، فَلَا وَاَللَّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قطُّ أحسنَ مِنْهُ، وَلَا أَمْرًا أعدلَ مِنْهُ. قَالَ: فأسلمتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الحقِّ، وَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إنِّي امْرُؤٌ مطاعٌ فِي قَوْمِي وَأَنَا رَاجِعٌ إلَيْهِمْ، وَدَاعِيهمْ إلَى الإِسلام، فادعُ اللَّهَ أَنْ يجعلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوهُمْ إلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجعلْ له آيةً.

آية للطفيل ليصدقه قومه: قَالَ: فخرجتُ إلَى قَوْمِي، حَتَّى إذَا كُنْتُ بِثَنيَّة١ تُطلعني عَلَى الْحَاضِرِ٢ وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عينيَّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ؛ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ فِي غَيْرِ وَجْهِي، إنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا أَنَّهَا مُثْلةٌ وقعتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِي دينَهم قَالَ: فَتَحَوَّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي. قَالَ: فَجَعَلَ الْحَاضِرُ يَتَرَاءَوْنَ ذَلِكَ النُّورَ فِي سَوْطي كَالْقِنْدِيلِ المعلَّق، وَأَنَا أَهْبِطُ إلَيْهِمْ مِنْ الثَّنيةِ، قَالَ: حَتَّى جئتُهم فأصبحتُ فيهم.

إسلام والد الطُّفيل وزوجه: قَالَ: فَلَمَّا نَزَلْتُ أَتَانِي أَبِي، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، قَالَ: فَقُلْتُ: إليكَ عَنِّي يَا أَبَتِ، فلستُ مِنْكَ ولستَ مِنِّي قَالَ: وَلِمَ يَا بُنَيَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: أسلمتُ وتَابعت دِينَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، فَدِينِي دينُك؛ قَالَ: فَقُلْتُ: فَاذْهَبْ فَاغْتَسِلْ وَطَهِّرْ ثِيَابَكَ، ثُمَّ تَعَالَ حَتَّى أُعَلِّمَكَ مَا عُلِّمْتُ. قَالَ: فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ. قَالَ: ثُمَّ جاء فعرضت عليه الإسلام، فأسلم.

قَالَ: ثُمَّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي، فقلتُ: إلَيْكَ عَنِّي، فلستُ مِنْكَ ولستِ مِنِّي؟ قَالَتْ: لِمَ؟ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: قُلْتُ: قَدْ فَرَّقَ بَيْنِي وبينَك الإِسلامُ، وتابعتُ دينَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: فَدِينِي دِينُكَ؛ قَالَ: قُلْتُ: فَاذْهَبِي إلَى حِنَا ذِي الشَّرَى -قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: حِمَى ذِي الشَّرَى- فَتَطَهَّرِي مِنْهُ.

قَالَ: وَكَانَ ذُو الشَّرَى صَنَمًا لِدَوْسٍ، وَكَانَ الحمى حمى حموه له، وبه وَشَل٣ من ماء يهبط من جبل.


١ الثنية: ما انفرج بين الجبلين.
٢ الحاضر: القبيلة النازلة على الماء.
٣ الوشل: الماء القليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>