للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: فقالت: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَتَخْشَى عَلَى الصِّبْية مِنْ ذِي الشَّرَى شَيْئًا؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، أَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ، فذهبتْ فَاغْتَسَلَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ فعرضتُ عليها الإِسلام، فأسلمت.

ثُمَّ دَعَوْتُ دَوْسًا إلَى الإِسلام، فَأَبْطَئُوا عليَّ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إنه قد غلبني على دوس الزِّنا، فادعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إلَى الإِسلام حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَنْ أَسْلَمَ مَعِي مِنْ قَوْمِي، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَيْبَرِ، حَتَّى نَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْس، ثُمَّ لَحِقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَيْبَرِ، فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ المسلمين.

ثُمَّ لَمْ أَزَلْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْعَثْنِي إلَى ذِي الْكَفَّيْنِ، صَنَمِ عَمرو بْنِ حُمَمة حتى أحرقه.

إحراق صنم ذي الكفين: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ إلَيْهِ، فَجَعَلَ طُفَيْلٌ يُوقِدُ عَلَيْهِ النَّارَ وَيَقُولُ:

يَا ذَا الْكَفَّيْنِ لستُ مِنْ عبادِكا ... ميلادُنا أقدمُ مِنْ ميلادِكا٢

إني حشوتُ النارَ في فؤادِكا

قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى قَبَضَ اللهُ رسولَه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا ارْتَدَّتْ الْعَرَبُ، خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَسَارَ مَعَهُمْ حَتَّى فَرَغُوا مِنْ طُلَيْحة، وَمِنْ أَرْضِ نَجْدٍ كُلِّهَا. ثُمَّ سَارَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْيَمَامَةِ، وَمَعَهُ ابْنُهُ عَمْرُو بْنُ الطُّفَيْلِ، فَرَأَى رُؤْيَا وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْيَمَامَةِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا فاعبرُوها لِي، رَأَيْتُ أَنَّ رَأْسِي حُلق، وَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ، وَأَنَّهُ لَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ فَأَدْخَلَتْنِي فِي فرجِها، وَأَرَى ابْنِي يَطْلُبُنِي حَثِيثًا ثُمَّ رَأَيْتُهُ حُبس عَنِّي؛ قَالُوا: خَيْرًا؛ قَالَ: أَمَّا أَنَا وَاَللَّهِ فَقَدْ أَوَّلْتُهَا: قَالُوا: مَاذَا؟ قَالَ: أَمَّا حَلْقُ رَأْسِي فَوَضْعُهُ، وَأَمَّا الطَّائِرُ الَّذِي خَرَجَ مِنْ فَمِي فَرُوحِي، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي أَدَخَلَتْنِي فَرْجَهَا فَالْأَرْضُ تُحفر لِي، فَأُغَيَّبُ فِيهَا، وَأَمَّا طَلَبُ ابْنِي إيَّايَ ثُمَّ حَبْسُهُ عَنِّي، فَإِنِّي أُرَاهُ سَيَجْهَدُ أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَنِي. فقُتل رَحِمَهُ اللَّهُ شَهِيدًا بِالْيَمَامَةِ، وَجُرِحَ ابْنُهُ جِرَاحَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ اسْتَبَلَّ٣ مِنْهَا، ثُمَّ قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهِيدًا.


١ الزنا: لهو مع شغل القلب.
٢ خفف الكفين لضرورة الشعر.
٣ استبل: شفى.

<<  <  ج: ص:  >  >>