للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُمْ إخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ يَالِيل بْنُ عَمرو بْنِ عُمَير، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمرو بْنِ عُمَير، وَحَبِيبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَير بْنِ عَوْفِ بْنِ عُقدة بْنِ غِيَرَة بْنِ عَوْف بْنِ ثَقِيفٍ، وَعِنْدَ أَحَدِهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي جُمَح، فَجَلَسَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ، وَكَلَّمَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ لَهُ مِنْ نُصْرَتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالْقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمْ: هُوَ يَمْرُط١ ثِيَابَ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَ اللَّهُ أَرْسَلَكَ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَا وَجَدَ اللَّهُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرَكَ! وَقَالَ الثَّالِثُ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا، لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنْ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ، لَأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ الْكَلَامَ، وَلَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلِّمَكَ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عِنْدِهِمْ وَقَدْ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ -فِيمَا ذُكِرَ لِي: "إذَا فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنِّي"، وَكَرِهَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن يَبْلُغَ قَوْمَهُ عَنْهُ، فيُذْئرهم٢ ذَلِكَ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ عَبيد بْنُ الأبْرص:

وَلَقَدْ أَتَانِي عَنْ تميمٍ أَنَّهُمْ ... ذَئِروا لقَتْلى عَامِرٍ وَتَعَصَّبُوا

فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وعبيدَهم، يَسُبُّونَهُ وَيَصِيحُونَ بِهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَأَلْجَئُوهُ إلَى حَائِطٍ٣ لعُتبة بْنِ رَبِيعَةَ وشَيْبة بن ربيعة، وهما فيه، ورجع عنه سُفَهَاءِ ثَقِيفٍ مَنْ كَانَ يَتْبَعُهُ، فَعَمَدَ إلَى ظِلِّ حَبَلة٤ مِنْ عِنَبٍ، فَجَلَسَ فِيهِ وَابْنَا رَبِيعَةَ يَنْظُرَانِ إلَيْهِ، وَيَرَيَانِ مَا لَقِيَ مِنْ سُفَهَاءِ أَهْلِ الطَّائِفِ، وَقَدْ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا ذُكِرَ لِي، الْمَرْأَةَ الَّتِي مِنْ بَنِي جُمَح، فَقَالَ لَهَا: ماذا لقينا من أحمائك؟

فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ – فِيمَا ذُكِرَ لِي: "اللَّهُمَّ إلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إلَى مَنْ تَكِلُني؟ إلَى بَعِيدٍ يتجَهَّمني٥؟ أَمْ إلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عليَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظلماتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أمرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنزل بِي غَضَبَكَ، أَوْ يَحِلَّ عليَّ سُخْطُك، لَكَ العُتْبَى حَتَّى ترضَى، وَلَا حولَ وَلَا قوةَ إلَّا بك".


١ يمرطه: ينزعه ويرمي به.
٢ يذئرهم: يثيرهم.
٣ الحائط: الحديقة.
٤ حبلة: شجرة العنب.
٥ تجهم فلانًا: استقبله بوجه كريه.

<<  <  ج: ص:  >  >>