للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: فَلَمَّا رَآهُ ابْنَا رَبِيعَةَ، عُتبة وشَيْبة، وَمَا لَقِيَ، تَحَرَّكَتْ لَهُ رَحِمُهُمَا١، فدعوَا غُلَامًا لَهُمَا نَصْرَانِيًّا، يُقَالُ لَهُ عَدَّاس، فَقَالَا لَهُ: خُذْ قِطفًا مِنْ هَذَا الْعِنَبِ، فَضَعْهُ فِي هَذَا الطَّبَقِ، ثُمَّ اذْهَبْ بِهِ إلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقُلْ لَهُ يَأْكُلُ مِنْهُ. فَفَعَلَ عَدَّاس، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يديْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ثم قَالَ لَهُ: كُلْ، فَلَمَّا وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ يَدَهُ، قَالَ: "بِاسْمِ اللَّهِ"، ثُمَّ أَكَلَ، فَنَظَرَ عَدَّاس فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَا يَقُولُهُ أهلُ هَذِهِ الْبِلَادِ، فَقَالَ لَهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ومن أَهْلِ أَيِّ الْبِلَادِ أَنْتَ يَا عَدَّاس، وَمَا دينُك؟ " قَالَ: نَصْرَانِيٌّ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نِينَوى؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ قَرْيَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى"؛ فَقَالَ لَهُ عَدَّاس: وَمَا يُدريك مَا يُونُسُ بْنُ مَتَّى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَاكَ أَخِي، كَانَ نَبِيًّا وَأَنَا نَبِيٌّ"، فَأَكَبَّ عَدَّاس عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ.

قَالَ: يَقُولُ ابْنَا رَبِيعَةَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَمَّا غلامُك فَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْكَ. فَلَمَّا جَاءَهُمَا عَداس قالا له: ويلك يا عَدَّاس! ما لك تُقَبِّلُ رَأْسَ هَذَا الرَّجُلِ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ؟ قَالَ: يَا سَيِّدِي، مَا فِي الْأَرْضِ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِأَمْرِ مَا يَعْلَمُهُ إلَّا نَبِيٌّ؛ قَالَا لَهُ: وَيْحَكَ يَا عَدَّاسُ، لَا يَصْرِفَنَّكَ عَنْ دِينِكَ، فَإِنَّ دينَك خَيْرٌ من دينه.

وفد جن نصيبين: قَالَ: ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْصَرَفَ مِنْ الطَّائِفِ رَاجِعًا إلَى مَكَّةَ، حِينَ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ، حَتَّى إذَا كَانَ بنَخْلة٢ قَامَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يُصَلِّي، فَمَرَّ بِهِ النَّفَرُ مِنْ الْجِنِّ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُمْ فِيمَا ذُكر لِي سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ جِنِّ أَهْلِ نَصِيبِينَ فَاسْتَمَعُوا لَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَّوْا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قَدْ آمَنُوا وَأَجَابُوا إلَى مَا سَمِعُوا، فَقَصَّ اللَّهُ خَبَرَهُمْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: ٢٩] . إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: ٣١] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} . [الْجِنِّ: ١] . إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ مِنْ خَبَرِهِمْ فِي هذه السورة.


الرحم: الصلة والقرابة.
٢ هناك واديان بهذا الاسم على ليلة من مكة أحدهما نخلة الشامية والثاني نخلة اليمانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>