للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ يَتَمَسَّكُونَ بِهَا: مِنْ تَعْظِيمِ الْبَيْتِ، وَالطَّوَافِ بِهِ، وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ، وهَدْي البُدْن، وَالْإِهْلَالِ بالحَج وَالْعُمْرَةِ، مَعَ إدْخَالِهِمْ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. فَكَانَتْ كنانةُ وَقُرَيْشٌ إذَا أهلُّوا قَالُوا: "لَبَّيك اللهمَّ لَبَّيْكَ، لَبيك لَا شَرِيكَ لَكَ، إلَّا شَرِيكٌ هُوَ لَكَ، تملكُه وَمَا مَلَكَ". فَيُوَحِّدُونَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، ثُمَّ يُدخلون مَعَهُ أصنامَهم، وَيَجْعَلُونَ مِلْكَها بِيَدِهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمُحَمَّدِ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: ١٠٦] أَيْ مَا يوحدونَني لِمَعْرِفَةِ حقِّي إلَّا جَعَلُوا معي شريكًا في خلقي١.

أصنام قَوْمِ نُوحٍ: وَقَدْ كَانَتْ لِقَوْمِ نُوحٍ أصنامٌ قَدْ عَكفوا عَلَيْهَا، قَصَّ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خبَرها عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَقَالَ: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} ٢ [نوح: ٢٣، ٢٤]


١ وكانت التلبية من عهد إبراهيم: لبيك، لا شريك لك لبيك، حتى كان عمرو بن لحي، فبينما هو يلبي تمثَّل له الشيطان فى صورة شيخ يلبي معه، فقال عمرو: لبيك لا شريك لك، فقال الشيخ: إلا شريكا هو لك، فأنكر ذلك عمرو، وقال: وما هذا؟ فقال الشيخ قل: تملكه وما ملك، فإنه لا بأس بهذا، فقال عمرو، فدانت بها العرب.
٢ وتلك هى الجاهلية الأولى التي ذكر الله في القرآن في قوله: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: ٣٣] وكان بدء ذلك في عهد مهلايل بن قَينان فيما ذكروا. وقد ذكر البخاري عن ابن عباس قال: "صارت الأوثان التى كانت فى قوم نوح في العرب بعدُ، وهي أسماء قوم صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسونها أنصابًا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا؛ فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك وتُنُوسخ العلم عبدت".
وذكر الطبري هذا المعنى وزاد: أن سواعًا كان: ابن شيث، وأن يغوث كان ابن: سواع، وكذلك يعوق ونَسْر، كلما هلك الأول صُورت صورته، وعظمت لموضعه من الدين، ولما عهدوا في دعائه من الإجابة، فلم يزالوا هكذا حتى خلفت الخلوف، وقالوا: ما عظم هؤلاء آباؤنا إلا لأنها ترزق وتنفع وتضر، واتخذوها آلهة. وهذه أسماء سريانية وقعت إلى الهند فسموا بها أصنامهم التى زعموا أنها صور الدراري السبعة، وربما كلمتهم الجن من جوفها ففتنتهم، ثم أدخلها إلى العرب عمرو بن لحي وعلمهم تلك الأسماء، وألقاها الشيطان على ألسنتهم موافقة لما كانوا فى عهد نوح.

<<  <  ج: ص:  >  >>