الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وبعد:
يمثل تراث الدعوة الإصلاحية السلفية التي قادها الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رافداً متميزاً من روافد التأليف في الفكر الإسلامي. فقد أحدثت هذه الدعوة المجددة حركة علمية نشطة لا في الجزيرة العربية وحسب، وإنما في العالم الإسلامي على وجه العموم. وكان الجدل الذي رافق الدعوة في حياة الإمام وبعده سبباً كبيراً في إثراء المكتبة العربية بعدد ضحم من المؤلفات في العقيدة والتشريع وعلوم آخرى. تلك المؤلفات التي تشرح الدعوة، وتبسط القول في بيان حقيقتها، أو ترد على أعدائها وتجادلهم في أمور هي مثار الاختلاف بينها وبينهم. هذا إلى جانب ما تميزت به كثير من مؤلفات أئمة الدعوة من طابع خاص مستمد من تأثير بيئة الجزيرة العربية، إذ بدا في معظم هذه المؤلفات اهتمام بالأوضاع الدينية والسياسية والاجتماعية السائدة في الجزيرة، مما يجعل هذه المؤلفات مصادر قيمة للباحث في تاريخ الجزيرة وأوضاعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية منذ عهد الإمام المجدد إلى العصر الحديث.
ولم يقتصر تأثير الدعوة الإصلاحية في حركة التأليف على هذه المؤلفات وحسب، إنما تعداه إلى العناية بكتب التراث القديم لأئمة السلف، والحرص على نشر هذه الكتب نشراً جديداً وإشاعتها بين الناس، مما لا مجال للحديث عنه في هذه المقدمة١.
١ لقد فصلنا القول في ذلك في كتابنا "حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية"، تحت الطبع.