أو المستمع من خبر إلى تابعه، ومن غزوة إلى أخرى فكانت السيرة النبوية من الولادة إلى الهجرة إلى الغزوات المصطفوية قد سلكت أمام القارئ في سلك واحد، وكأنه يراها رأي العين. والأمر الذي يجب أن يلاحظ في تأريخ علم السيرة النبوية أن منهجية ابن إسحق هي التي صبغت جميع المؤلفات في هذا العلم، وبقيت تقفو أثر ابن إسحق، وهذا شيء في غاية الأهمية والقيمة والقدر المتجدد لعمل ابن إسحق أبرزِ كاتبٍ في السيرة النبوية عبر العصور وهو من رجال القرن الثاني.
٤- ولما لم يلتزم ابن إسحق الإسناد في كل أخبار السيرة، بل كان همُّه جمعَ أطراف الأخبار في الحدث الواحد وسوقها في كلياتها وجزئياتها مساقاً واحداً قاصداً إعطاء أكبر التفصيلات، هذا جعل بذلك السيرة التي صنفها في السيرة النبوية قصة متكاملة شاملة، قريبة للقارئ والمستمع، سهلة للفهم والتلقين والحفظ، وهذا سَهَّل لها القبول والانتشار في كل الأوساط العلمية المتخصصة وغير العلمية، وغدت في كل بيت.
وقد حاول غير واحد أن يسلك مسلكه كما فعل الواقدي، وابن حبان وغيرهما من بعده، وهذا مما جعل عمل ابن إسحق عمدة لهذا العلم بوجه أو بآخر ولأجله قال ابن سيد الناس في صدر سيرته التي لقيت بدورها القبول والثناء: وعمدتنا فيما نورده من ذلك على محمد بن إسحق إذ هو العمدة في هذا الباب لنا ولغيرنا (١) .
وخلاصة القول: فإن ابن إسحق ـ مهما قيل في نقده ـ قد ارتقى