قد شهدت الفطرة والعقول بأن للعالم ربًّا قادراً حليماً عليماً رحيماً، كاملاً في ذاته وصفاته لا يكون إلا مريداً للخير لعباده، مجرياً لهم على الشريعة والسنة الفاضلة العائدة باستصلاحهم، الموافقة لما ركب في عقولهم من استحسان الحسن واستقباح القبيح، وما جبل طباعهم عليه من إيثار النافع لهم، المصلح لشأنهم، وترك الضار المفسد لهم، وشهدت هذه الشريعة له بأنه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه المحيط بكل شيء عليماً.
وإذا عرف ذلك فليس من الحكمة الإلهية، بل ولا الحكمة في ملوك العالم أنهم يسوون بين من هو تحت تدبيرهم في تعريفهم كلّما يعرفه الملوك، وإعلامهم جميع ما يعلمونه، وإطلاعهم على كلِّ ما يجرون عليه سياساتهم في أنفسهم وفي منازلهم، حتى لا يقيموا في بلد فيها إلا أخبروا من تحت أيديهم بالسبب في ذلك، والمعنى الذي قصدوه منه، ولا يأمرون رعيتهم بأمر، ولا يضربون عليهم بعثاً ١، ولا يسوسونهم سياسة إلا أخبروهم بوجه ذلك وسببه، وغايته ومدته، بل لا تتصرف بهم
١ في الأصل "بعضا" وما أثبته من "مفتاح السعادة" ٢/٢٠٧ ط الإمام بمصر. وط مكتبة الرياض ١/٣٠٤ – ٣٠٥.