رفع يديه ودعا دعاء طويلاً بقدر سورة البقرة، ثم أتى إلى الجمرة الوسطى فرماها كذلك، ثم انحدر ذات اليسار مما يلي الوادي، فوقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو قريباً من وقوفه الأول، ثم أتى الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة فاستبطن الوادي، واستعرض الجمرة، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه فرماها بسبع حصيات كذلك، ولم يرمها من أعلاها كما يفعل الجهال، ولا جعلها عن يمينه، واستقبل البيت وقت الرّمي كما ذكره غير واحد من الفقهاء. انتهى.
فإذا تبين لك هذا من أمره صلى الله عليه وسلم وفعله، وكان عليه عمل المسلمين من عهده صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فالحكمة في ذلك - والله أعلم – هي ما ذكره أئمة المفسرين وأهل الحديث على قوله تعالى عن خليله إبراهيم {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:١٢٨] قال الحافظ العماد بن كثير: قال ابن جريج عن عطاء: "وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا" أخرجها لنا، عَلِّمناها. وقال مجاهد:"أَرِنَا مَنَاسِكَنَا": مذابحنا. وروي عن عطاء أيضا وقتادة نحو ذلك.
وقال سعيد بن منصور: ـ أخبرنا عتاب بن بشير عن خصيف عن مجاهد قال: قال إبراهيم "أَرِنَا مَنَاسِكَنَا" فأتاه جبرئيل فأتي به البيت فقال: ارفع القواعد ١، وأتم البنيان، ثم أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصفا، قال: هذا من شعائر الله، ثم انطلق به إلى