الامتثال، فبقي الذبح مفسدةً، لحصولِ المصلحةِ بدونه، فنسخه في حقِّه، لَمَّا صار مفسدةً، وأمر به لما كان عزمه عليه، وتوطين نفسه مصلحة لهما، فأي حكمة فوق هذا، وأي لطف وبر وإحسان يزيد على هذا، وأي مصلحة فوق هذه المصلحة بالنسبة إلى هذا الأمر ونسخه.
وإذا تأملت الشرائعَ الناسخة والمنسوخة وجدتها كلَّها بهذه المنزلة،
فمنها ما يكون وجه المصلحة فيه ظاهراً مكشوفاً، ومنها ما يكون ذلك فيه خفياً لا يدرك إلا بفضل فطنة وجَوْدَةِ إدْراَكٍ.
وأما دفن لحومها فليس من الدين في شيء، ولا ينسب ذلك إلى ما شرعه الله ورسوله، بل هذا من الأوضاع المبتدعة المحدثة الباطلة، التي وضعها الخلوف الذين ليس لهم معرفة بأصول الدين وقواعده التي تبتنى عليها الأحكام الشرعية، فإدخال مثل هذا في مناسك الحج الذي ١ شرعه الله ورسوله إدخال الدين شَرْعٌ لم يأذن الله به.
وهذا لم يقله أحد من عوام المسلمين، فضلاً عن علمائهم، فضلاً عن أن ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يسأل عن الحكمة في دفن اللحوم في منى إلا من أعمى الله بصيرته، وكان من أجهل الناس وأضلهم عن سواء السبيل، لأن ذلك ليس من الدين في شيء، وإنما هو من وضع بعض الملوك بإشارة بعض حكماء أهل الطب، وذلك بآرائهم الفاسدة، وأوهامهم الكاسدة، ونتائج أفكارهم الباردة، ولو تركوا الناسَ على ما كانوا عليه أولاً من التوسعة على فقراء المسلمين، وجعل بعضه قديداً وينقلون ذلك في رحالهم، وأوطانهم، لكان ذلك أصلحَ للعباد، وأقرب إلى السداد.