للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: ما رأيت إنساناً أصبر على المصائب منك! وأعصى عند الحزن عبرة منك، ولا أثبت عقلا عند شدة؛ لأنه أبداً ثابت لا يعتريه الطيش والخفة.

تخون المنايا عهده في سليله ... وتنصره بين الفوارس والرّجل

السليل: الولد.

يقول: إن المنية عاهدته على أن تنصره في الحروب، ثم تخون عهده في ولده، فكيف تجمع بين الإحسان والإساءة؟! لولا تقلب أحواله!!

ويبقى على مرّ الحوادث صبره ... ويبدو كما يبدو الفرند على الصّقل

الفرند: ماء السيف، وجوهره.

يقول: إن الحوادث تظهر صبره، وكرم أصله، كما يظهر الصقل جوهر السيف ورونقه.

ومن كان ذا نفسٍ كنفسك حرةٍ ... ففيه لها مغنٍ وفيها له مسلى

حرة: صفة لنفس، والتذكير: لمن والتأنيث: للنفس.

يقول: من كانت له نفس حرة مثل نفسك، ففيه ما يغنى نفسه عن تعزية غيره عليه، وعن كل شيء، وفي نفسه ما يسليه عما يجده من الهموم والمصائب.

وما الموت إلا سارقٌ دقّ شخصه ... يصول بلا كفٍ ويسعى بلا رجل

يقول: لا عيب لك، فالموت. كالسارق الذي دق شخصه دقة، ليس له يد ولا رجل، ولو كان أراد أن يجاهرك وظهر شخصه لم يقدر على غضبك، وقيل: معناه أن السارق يستحق القطع، والموت ليس له محل القطع من اليد والرجل.

يردّ أبو الشّبل الخميس عن ابنه ... ويسلمه عند الولادة للنّمل

أبو الشبل: الأسد، والشبل ولده. ويقال: إن ولد الأسد يجتمع عليه النمل - ما لم ينبت عليه الشعر - فيقتله، ولهذا لا تلد الأسدة إلا في ثجة؛ هرباً من ذلك.

فيقول: مثلك ومثل الموت، كمثل الأسد والنمل، فإنه يدفع الجيش عن ولده، ولا يقدر أن يمنعه من النمل، وليس ذلك لعجز الأسد، ولكن لقلة قدر النمل ودقة شخصه، وكذلك أنت، لو ظهر لك الموت لمنعته، ولكنه يأتي من حيث لا يراه أحد، ولا يدل ذلك على عدم شجاعتك.

بنفسي وليدٌ عاد من بعد حمله ... إلى بطن أم لا تطرّق بالحمل

طرقت المرأة بالولد: إذا نشب فيها، ثم يتسع فيقال: طرقت: أي ولدت.

يقول: نفسي فداء لهذا المولود الذي انفصل عن بطن أمه إلى بطن أم ليست كالأمهات في الولادة، أي أنا ليست بأم على الحقيقة. وقيل: معناه عاد إلى بطن أم لا تلد أبداً، يعني أنه لا يخرج منها، فكأنه يقول: لقصر أيامه كأنه انتقل من بطن أمه إلى القبر.

بدا وله وعد السّحابة بالرّوى ... وصدّ وفينا غلّة البلد المحل

الروى بالفتحة على المصدر من روى يروي روى، وبالكسر هو الماء الكثير.

يقول: كانت مخايله تعدنا بجوده وأفضاله، كما تعدنا السحابة بالغيث، فمضى عنا وخيب آمالنا. شبهه بسحابة نشأت على بلد خرب ثم أقلعت! من غير شيء.

وقد مدّت الخيل العتاق عيونها ... إلى وقت تبديل الرّكاب من النّعل

يقول: كانت الخيل تنتظر كبره، لتتشرف بركوبه إياها، وبتنقله رجله إلى الركاب.

وريع له جيش العدوّ وما مشى ... وجاشت له الحرب الضّروس وما تغلى

ريع: أفزع. وروى: جاش العدو: أي قلبه، وجيش العدو، وجاش: أي هاج وارتفع. والضروس: الشديد.

يقول: إن أعداء أبيه خافوا منه وهو بعد في المهد لم يمش! وهاجت له الحروب الشديدة وارتفعت قبل غليانها، وروى وما يقلى من قليت بالقلة أقلى بها، وقلوت أقلو يعني أنهم خافوه قبل أن يبلغ إلى أن يقلى بالقلة.

أيفطمه التّوراب قبل فطامه ... ويأكله قبل البلوغ إلى الأكل

التوراب: لغة في التراب. قال الأصمعي: التراب والتوراب، والتيرب والتورب، والترباء كل ذلك بمعنى.

يقول: فطمه التراب قبل أوان فطامه! وأكله التراب قبل وقت أكله! يقول ذلك على معنى الإنكار والتأسف.

وقبل يرى من جوده ما رأيته ... ويسمع فيه ما سمع من العذل

قبل: مضاف إلى يرى. وإنما جاز إضافة الظرف إلى الفعل لقلة تمكنها. وفي القرآن: " يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُل "، " يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ ". وقيل: إن فيه إضمار أن وتقديره: وقبل أن يرى. فيكون في معنى المصدر: أي وقبل رؤيته، فتجرى الإضافة على بابها. فعلى هذا يجوز. في يسمع الرفع، والنصب.

يقول: كيف جآءت قبل أن يرى من جوده ما رأيته من جودك؟! من قصد العفاة، وعذل العذال، فيه ما رأيت وسمعت.

<<  <   >  >>