للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وطعن فيه من وجوه أخر: وهو حذف الياء من قلباه، وكان الوجه: قلبياه، لأن هذه الياء إنما تحذف قياساً على التنوين، فحيث يحذف التنوين في المنادي، جاز سقوط الياء وثباتها كقولك. يا زيد، فتحذف منه التنوين، ثم تقول: وازيداه، لتحذف الياء، وحيث ثبت التنوين لم يجز حذف الياء، كقولك: واغلام زيد فتنون زيد، فإذا قلت: واغلامياه، أثبتت الياء.

والحاصل: أن الياء إنما تحذف من المنادى، لا من المضاف إليها المنادى، وقد أجاز بعض النحويين إسقاط الياء في هذا الموضع وإن كان ضعيفاً، فيجوز في الشعر لأنه موضع الضرورة. والشيم: البارد.

يقول: أشكو حرارة قلبين وشدة وجدي ممن قلبه خالي مما أنا مبتلى به، وممن حالي عنده ضعيفة سقيمة مثل جسمي. يعني أني سقيم بحبه، وليس لي عنده حال ولا منزلة.

مالي أكتّم حبّا قد برى جسدي ... وتدّعي حبّ سيف الدّولة الأمم

وروى: أكاتم: يقول: كل أحد من الأمم، يدعي حبه! فلم لا أقتدي بهم، وأظهر حبه مثل ما يظهرون؟ ومعناه: أنهم يظهرون حبه، وأنا أحتاج إلى أن أكتمه، كأنه يشير إلى أنه يتأذى بإظهار حبه فيكتمه! فيؤدي كتمانه إلى سقمه ونحول جسمه، وقيل: كتمانه الحب من حيث أنه يتجنب التملق بحبه، لما فيه من التكلف، وأن غيره يتملقون إليه بحبه ويتكلفون ذلك.

إن كان يجمعنا حبّ لغرّته ... فليت أنّا بقدر الحبّ نقتسم

يقول: إن كان يجمعني والأمم حب سيف الدولة، فليت حظنا منه على قدر حبنا، فأكون أخصهم منه قرباً، كما أني أكثرهم له حباً، أو أكون مثلهم في قوة أجسامهم، وحسن أحوالهم، وهو مثلي في مرضي ورثاثة حالي.

قد زرته وسيوف الهند مغمدةٌ ... وقد نظرت إليه والسّيوف دم

يقول: نظرت إليه في حالتي السلم والحرب. وصحبته في حالتي الخوف والحب، كأنه عليه بطول الخدمة، ثم يصف قيامه بجميع الأمور.

فكان أحسن خلق الله كلّهم ... وكان أحسن ما في الأحسن الشّيم

الشيم: جمع الشيمة، وهي الخليقة، وأحسن الأول: نصب لأنه خبر كان واسمه ضمير سيف الدولة، وأحسن الثاني، خبر كان الثاني، والشيم: اسمه، وأراد بالأحسن الممدوح.

يقول: نظرت إليه فكان أحسن خلق الله، وأحسن ما في هذا الأحسن الذي نظرت إليه أخلاقه، فكأنه يقول: هو أحسن الناس، وخلقه أحسن من حسن وجهه.

فوت العدوّ الّذي يمّمته ظفرٌ ... في طيّه أسفٌ في طيّه نعم

الهاء في طيه الأول للظفر، والثاني للأسف.

يقول: هرب عدوك الذي قصدته، منك ظفر، ذلك، غير أن في طي هذا الظفر أسفاً، لأنك كنت تشتهي أن تقتله، أو تأسره، وفي طي هذا الأسف نعم لأنه هرب منك خوفاً.

قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت ... لك المهابة ما لا تصنع البهم

البهم: جمع بهمة، وهو الشجاع.

يقول قد حصل لك في قلوبهم من الخوف والهيبة، ما يزيد على فعل الشجعان فيهم.

ألزمت نفسك شيئاً ليس يلزمها ... ألاّ تواريهم أرضٌ ولا علم

تواريهم: أي تسترهم. والعلم: الجبل.

يقول: كلفت نفسك في طلب أعدائك، تهزمهم وتكسر جموعهم، بل تريد ألا تسترهم أرض ولا جبل، بأن تخرجهم من مكان من الأرض، وتحطهم من رءوس الجبال.

وقيل: معناه لا ترضي أن تسترهم أرض ولا جبل، وإنما ترضى أن يواريهم بطون الطير، والوحوش.

أكلّما رمت جيشاً فانثنى هرباً ... تصرّفت بك في آثاره الهمم؟

أكلما: استفهام، ومعناه التقرير، وانثنى: أي انصرف. تصرفت بك: أي صرفتك.

يقول: كلما قصدت جيشاً وهرب من بين يديك حملتك همتك العلية على طلبه، واتباع أثره.

وقيل: معناه حملتك همتك على الجزع في فوتهم منك.

عليك هزمهم في كلّ معترك ... وما عليك بهم عارٌ إذا انهزموا

الجمع: راجع إلى معنى الجيش.

يقول: إنما عليك أن تهمزمهم، فإذا انهزموا فليس عليك عار في انهزامهم بل ذلك يدل على قوتك.

أما ترى ظفراً حلواً سوى ظفرٍ ... تصافحت فيه بيض الهند واللّمم؟

اللمم: جمع اللمة، وهي الشعر. الملم بالمنكب، وأراد بالتصافح: التلاقي.

يقول: لا تعد الظفر ظفراً إلا بعد القتل والقتال، وضرب السيوف على رءوس الأبطال. وعبر عن ذلك بتصافح السيوف واللمم؛ لأن القتل يحصل عند ذلك.

يا أعدل النّاس إلاّ في معاملتي ... فيك الخصام وأنت الخصم والحكم!

<<  <   >  >>