للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: لما سوى بين البحر وبين سيف الدولة من حيث الغضب والسكون فضله على البحر فقال: ما يفعله سيف الدولة في حالتي الغضب والسكون، فهو عن قصد وإرادة، وما يفعله البحر لا يكون عن قصد وإرادة، وليس إغناء البحر من يقصده. بما فيه من الدر عن قصد، وكذلك إهلاكه في حال الاضطراب، فيكون قوله: يعثر بالفتى عبارة عن وقوع الفعل غفلة لا عن قصد وعمد.

تظلّ ملوك الأرض خاشعةً له ... تفارقه هلكى، وتلقاه سجّداً

يقول: إن الملوك تخشع له، فإذا لقيته سجدت له، وإذا خرجت من عنده ففي قلوبهم من الخوف والهيبة ما يقوم لهم مقام الهلاك.

وقيل: أراد به حقيقة الهلاك. يعني إذا فارقوه على سبيل العصيان أهلكهم.

وتحيي له المال الصّوارم والقنا ... ويقتل ما تحيي التّبسّم والجدا

الجدا، والجدوى: العطية.

يقول: يغنم الأموال بالسيوف والرماح، ثم يهبها بتبسمه وجدواه. وقوله: بالتبسم إشارة إلى أنه لا يمكن أن يؤخذ منه على وجه القهر. ومثله لأبي تمام:

إذا ما أغاروا فاحتووا مال معشرٍ ... أغارت عليهم فاحتوته الصّنائع

ذكيٌّ تظنّيه طليعة عينه ... يرى قلبه في يومه ما ترى غدا

تظنيه: أصله تظننه، وهو تفعل من الظن، وتظنيه: مبتدأ: وطليعة عينه: خبره، والجملة: صفة لذكي.

يقول: هو ذكي يعرف الأمر قبل موقعه، فكأن ظنه طليعة لعينه، فهو يرى بقلبه اليوم ما تراه أيها الإنسان بعينك غدا.

وصولٌ إلى المستصعبات بخيله ... فلو كان قرن الشّمس ماءً لأوردا

روى: المستصعبات بالكسر، والفتح. والكسر: على أنه من الفعل اللازم، استصعب: أي صعب. والفتح: من قولك استصعبت الأمر: وجدته صعباً.

يقول: لا يتعذر عليه ما يريده، حتى لو كان قرن الشمس ماء لأورد خيله منه.

لذلك سمّى ابن الدّمستق يومه ... مماتاً، وسمّاه الدّمستق مولداً

الهاء في يومه لابن الدمستق، وفي سماه لليوم، وقوله: لذلك إشارة إلى البيت الذي قبله: أي أنه أسر ابن الدمستق، لأنه يصل إلى كل أمر صعب بخيلة، فسمى ابن الدمستق اليوم الذي أسر فيه مماتاً؛ لأنه دنا من الموت، وأيس من الحياة، وسماه أبوه: مولداً؛ لأنه قد نجا من القتل والموت، فكأنه ولد في ذلك اليوم، أو كأنه عاد إلى الدنيا، بعد أن خرج منها.

سرت إلى جيحان من أرض آمدٍ ... ثلاثاً؛ لقد أدناك ركضٌ وأبعدا

جيحان: نهر في بلاد آمد مسافته بعيدة.

يقول: سريت من آمد إلى جيحان في ثلاث ليال، مع بعد المسافة بينهما، قاله متعجباً. ثم قال: لقد أدناك الركض من جيحان؛ وأبعدك من آمد.

وعن ابن جني قال: أدناك من جيحان، وأبعد أولئك القوم من جيحان؛ مخافةً منك، فيكون مفعول أبعد محذوفاً.

فولّى وأعطاك ابنه وجيوشه ... جميعاً ولم يعط الجميع لتحمداً

يقول: ولى الدمستق لما رآك، وأسلم ابنه وجيشه إليك، ولم يعط جميع ما قلت لتحمده عليه؛ لأنه لم يعطك عن طيب نفس واختيار منه حتى تحمده، ولكن كان ذلك على رغم منه: قهراً وقسراً.

عرضت له دون الحياة وطرفه ... وأبصر سيف الله منك مجرّدا

يقول: لما رآك غلب على قلبه الخوف، وعلى عينه الحيرة، فلم تر عينه غيرك، وحلت بينه وبين حياته، فصار كالميت؛ لبطلان حواسه.

وجعله سيف الله؛ لأنه مجاهد في سبيله ودينه. وروى: وطرقه أي حلت بينه وبين طريقه إلى الحياة.

وما طلبت زرق الأسنّة غيره ... ولكنّ قسطنطين كان له الفدا

الفدا إذا فتح: يقصر، وإذا كسر: يمد.

يقول: لم تطلب الرماح إلا الدمستق ولكن نجا هو وصار ابنه فداءً له.

فأصبح يجتاب المسوح مخافةً ... وقد كان يجتاب الدّلاص المسرّدا

يجتاب: أي يلبس المسوح ويدخل فيها. والمسوح: جمع مسح. والدلاص: الدرع الصافية البارقة. والمسرد: المحكم النسج.

يقول: إن الدمستق لما نجا ترهب خوفاً من سيف الدولة، ولبس المسوح السود، وقد كان يلبس الدروع ويباشر الحروب فترك ذلك.

ويمشي به العكّاز في الدّير تائباً ... وما كان يرضى مشى أشقر أجردا

العكاز، والعكازة: العصا. والدير للرهبان، كالصوامع للعباد.

<<  <   >  >>