للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال أبو الطيب يمدحه وأنشدها بحضرتهم وقت دخولهم:

أراع كذا كلّ الأنام همام ... وسحّ له رسل الملوك غمام؟!

الهمزة في أراع للاستفهام، في معنى التعجب. وراع: أي أفزع. والمفعول: كل الأنام، والفاعل: همام. وكذا أي كما أرى، وهو في موضع نصب؛ لأنه صفة لمصدر محذوف: أي أراع روعاً كذا.

يقول: كيف راع الأنام كلهم رجل واحد؟ حتى تقاطرت إليه رسل الملوك يسألونه الصلح، كما يتقاطر المطر من الغمام. وقوله سح أي أسح؟ على الاستفهام.

ودانت له الدّنيا فأصبح جالساً ... وأيّامها فيما يريد قيام

يقول: انقادت له الدنيا، وأطاعه أهلها، وهو جالس، وأيام الدنيا تسعى في مراده، وتقوم له قيام الخدم للمخدوم.

إذا زار سيف الدّولة الرذوم غازياً ... كفاها لمامٌ لو كفاه لمام

اللمام: الزيارة القليلة.

يقول: إذا قصد بلاد الروم كفاهم قليل من إيقاعه بهم، ولكنه لا يرضى إلا بالسبي والقتل وأخذ الممالك.

فتىً تتبع الأزمان في النّاس حكمه ... لكلّ زمانٍ في يديه زمام

روى: خطوة وحكمه.

يقول: إن الزمان يتبع حكمه ويتصرف بإرادته، يذل من أذله ويعز من أعزه فكأن زمام الدهر في يده، يقوده كيف شاء. وقوله: فتى خبر ابتداء محذوف، أي: هو فتى.

تنام لديك الرّسل أمناً وغبطةً ... وأجفان ربّ الرّسل ليس تنام

يقول: إذا وصلت الرسل إليك سكنت نفوسها، ونامت عيونها لجوارك، وأجفان الذين يرسلونهم لا تنام خوفاً منك.

حذاراً لمعروري الجياد فجاءةً ... إلى الطّعن قبلاً ما لهنّ لجام

اعروريت الفرس: إذا ركبته عرياناً بلا سرج. وقبلاً: أي متقدماً إلى أعدائه. وقيل: هو جمع أقبل وقبلاء، وهو الذي أقبلت إحدى عينيه على الأخرى وهو محمود في الخيل؛ وإنما تفعل ذلك لعزة نفسها. وحذاراً: مفعول له. والمعروري: هو الفاعلي من اعروري. وفجاءة: نصب على الحال، وكذلك قبلاً.

يقول: إن أجفان رب الرسل لا تنام حذاراً من ملك يركب الفرس عرياناً لمفاجأته الغزو، ويصرفه بغير لجام.

تعطّف فيه والأعنّة شعرها ... وتضرب فيه والسّياط كلام

فيه أي في الطعن.

يقول: إن هذه الخيل مؤدبة معودةً للحرب، فتنعطف في الطعن ولا أعنة لها سوى شعر أعرافها ونواصيها؛ وكذلك تضرب في حال الطعن، لا بالسياط، بل بالكلام والزجر.

وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا ... إذا لم يكن فوق الكرام كرام

يقول: إن الخيل الكرام، لا تغنى حتى يكون فوقها كرام. ومثله للبحتري:

وما السّيف إلا مستعار لرينةٍ ... إذا لم يكن أمضى من السّيف حامله

إلى كم تردّ الرّسل عمّا أتوا به ... كأنّهم فيما وهبت ملام

يقول: إلى متى ترد الرسل عما يلتمسونه من الصلح؟ فكأن سؤالهم إياك عذل العاذل على جودك، فأنت تردهم عما راموه، كما ترد من يعذلك على جودك عن مرامه، ولا تصغي إلى ملامهم. وشبههم باللوم وشبه ردهم برد اللوم.

فإن كنت لا تعطى الذّمام طواعةً ... فعوذ الأعادي بالكرام ذمام

الذمام: العهد. والطواعة، والطواعية، والطوع: واحد.

يقول: إن كنت لا تعطيهم الأمان والذمة بطاعتهم لك، أو رغبة منك في ذلك. وقيل: معناه. متبرعاً، وقد عاذوا بك والتجأوا إليك، وعوذهم بك يوجب حفظهم.

وإنّ نفوساً أمّمتك منيعةٌ ... وإنّ دماءً أمّلتك حرام

يقول مؤكداً للمعنى الأول: قصدهم إليك، تحصين نفوسهم، ورجاؤهم لك، يصون دماءهم، فنفوسهم منيعة ودماؤهم حرام.

إذا خاف ملكٌ من مليكٍ أجرته ... وسيفك خافوا والجوار تسام

الواو في قوله: وسيفك للعطف. وتسام: أي تكلف، وتطلب منك.

يقول: من عادتك إجارة كل ملك خاف ملكاً آخر، وهؤلاء خافوا سيفك فاستجاروا بك، والتجأوا إليك، وكلفوك إجارتهم، فالأولى أن تجيرهم.

لهم عنك بالبيض الخفاف تفرّقٌ ... وحولك بالكتب اللّطاف زحام

يقول: إذا لقوك في الحرب تفرقوا عنك، خوفاً من السيوف الخفاف، ثم يجتمعون حولك ويزدحمون عليك طلباً للصلح، ويرسلون إليك كتباً لطافاً يسألونك فيها العفو. وإنما جعلها لطافاً، لأنها كتب مبعوثة على كتمان، فكل كبير وبطريق يتقرب إليه بكتاب لطيف، سراً عن صاحبه!

تغرّ حلاوات النّفوس قلوبها ... فتختار بعض العيش وهو حمام

<<  <   >  >>