للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أي: أدهى من زورة الذيب، وقد فصل بينهما بقوله: وقد رقدوا والذيب: يضرب به المثل في الخبث والدهاء.

يخاطب نفسه ويقول: كم مرة ذهبت إلى الأعراب حين رقدوا فزرت حبيبتك وهم لا يشعرون، وهجمت عليها هجوم الذئب، إذ اختطفتها من بينهم على وجه الاحتيال والاستخفاء، كما يفعل الذئب لما يختطف من الغنم، ويهجم عليها من حيث لا يشعر الراعي.

أزورهم وسواد اللّيل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصّبح يغري بي

يقول: إن الظلام يسترني عند زيارتي هؤلاء الأعراب، فكأنه يشفع لي إلى ما أريد. وعند الانصراف يشهرني الصبح ويحول بيني وبينها. ومثله لابن المعتز:

لا تلق إلا بليلٍ من تواصله ... فالشّمس نمّامةٌ واللّيل قوّاد

فذكر جميع ما في البيت في نصف بيت.

قد وافقوا الوحش في سكنى مراتعها ... وخالفوها بتقويضٍ وتطنيب

التقويض: ضد التطنيب.

يقول: هؤلاء الأعراب وافقوا الوحش في حلولهم مراتع الوحوش وسكناهم مساكنها وخالفوها بأنهم يحطون خيامهم مرة، ويقلعون أوتادهم مرة، ثم يطنبونها: أي ينصبونها، ويشدون حبالها.

جيرانها وهم شرّ الجوار لها ... وصحبها وهم شرّ الأصاحيب

الجوار: بضم الجيم وكسرها، هي المجاورة، ومعناه ها هنا: هم شر أهل الجوار.

يقول: جيران الوحش من حيث المسكن، إلا أنهم شر الجيران لها؛ لأنهم يصيدونها وهم أصحاب الوحوش؛ إلا أنهم أشر الأصحاب؛ لأنهم يأكلونها.

فؤاد كل محبّ في بيوتهم ... ومال كلّ أخيذ المال محروب

أخيذ المال: أي مأخوذ المال. والإضافة في تقدير الانفصال، ولهذا نكر الصفة في قوله: محروب والمحروب: الذي أخذ حريبه، وهو ماله.

يقول: إن رجالهم صعاليك يغيرون على الأعداء، ونساؤهم فواتن يسلبن قلوب العشاق، ففي بيوتهم قلوب الرجال وأموال الأبطال.

وقيل: إنهم أحنوا إلى الناس فملكوا قلوبهم بالإحسان، وملكوا أموال الأعداء بالقهر والإغارة.

ما أوجه الحضر المستحسنات به ... كأوجه البدويّات الرّعابيب

الرعابيب: جمع رعبوبة، وهي البيضاء الممتلئة الجسم. والهاء في به للحضر، وهو خلاف البدو.

يقول: ليس أهل الحضر كأهل البدو.

حسن الحضارة مجلوبٌ بتطريةٍ ... وفي البداوة حسنٌ غير مجلوب

الحضارة: ملازمة الحضر، والبداوة: ملازمة البدو. والتقدير: حسن أهل الحضارة وأهل البداوة.

يقول: إن حسن الحضريات مصنوع بالتطرية، وحسن البدويات مطبوع، والمطبوع خير من المصنوع.

أين المعيز من الآرام ناظرةً ... وغير ناظرةٍ في الحسن والطّيب

المعيز والمعزى والمعز: واحد. وناظرةً: نصب على الحال. أقام الحضريات مقام المعز، لكون المعز حضريات، وأقام البدويات مقام الظباء؛ لكون الظباء في الفلوات.

يقول: أين المعز من الظباء في حسنها وطيبها! وفي حال كونها ناظرةً، وفي غير حال نظرها.

أي: كما أن الظباء أحسن من المعز في كل حال، فكذلك البدويات أحسن من الحضريات.

وقيل معنى قوله: ناظرة وغير ناظرة أي أن الظباء أحسن من المعز: حيةً وميتة، فهي أحسن منها منظراً حية، ولحماً ميتة.

أفدي ظباء فلاةٍ ما عرفن بها ... مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب

الصبغ بالفتح: مصدر، وبالكسر: اسم. والحواجيب: أراد به الحواجب، فأشبع الكسرة؛ لتحدث الياء بعدها. والهاء في بها للفلاة.

يقول: إن البدويات مطبوعات على حسن الكلام، وحسن الحواجب، فلا يصبغن حواجبهن بالسواد، ولا يمضغن الكلام؛ لأن كلامهن فيه غنة فلا يحتجن إلى تكلفها.

وقيل: أراد بمضغ الكلام التفاصح.

ولا برزن من الحمّام مائلةً ... أوراكهنّ صقيلات العراقيب

أوراكهن رفع بمائلةً وصقيلات نصب على الحال.

يعني: أنهن مخلوقات كذلك فلا يصبغن حواجبهن، ولا يكسرن في كلامهن، ولا تتمايل أوراكهن تصنعا، ولا يصقلن عراقيبهن كما تفعله النساء من أهل الحضر. فأفدى من هذه حالها.

ومن هوى كلّ من ليست ممّوهةً ... تركت لون مشيبي غير مخضوب

المموه: المزور المغشوش.

يقول: لما كنت أحب كل مطبوعة، وأبغض كل مصنوعة، تركت لون شيي ظاهراً مطبوعاً، لم أموهه بالخضاب. وهذا ينظر إلى قول الشاعر:

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

<<  <   >  >>