للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أبو شجاع: مبتدأ. وأبو الشجعان: بدل منه. وقاطبةً: نصب على المصدر أو الحال. وهول خبر المبتدأ. وأهوال رفع بنمته ويجوز أن يكون أبو شجاع مبتدأ وأبو الشجعان خبره. وهول خبر ابتداء محذوف: أي هو هول، أو بدل من أبي الشجعان.

تملّك الحمد حتّى ما لمفتخر ... في الحمد حاءٌ ولا ميمٌ ولا دال

يقول: قد استولى على الحمد كله واستحقه بفضله، حتى لم يبق لأحد شيء من الحمد وأجزائه.

عليه منه سرابيلٌ مضاعفةٌ ... وقد كفاه من الماذيّ سربال

يقول: عليه من الحمد. سرابيل ظاهرة مضاعفة، وفي الحرب يكتفي بدرع واحد. يعني لا يرضى من الحمد إلا بالسرابيل المضاعفة ويكفيه في الحرب سربال واحد.

وقيل: عليه لباس الحمد المضاعف، وقد كفاه الدرع وإن لم يكن الحمد، فاجتمعا له جميعا، حتى يكون ذلك أشرف له.

وكيف أستر ما أوليت من حسنٍ ... وقد غمرت نوالاً أيّها النّال

رجل نال: أي كثير النوال.

يقول: كيف أستر أفضالك، وقد أكثرت علي نوالك وغمرتني به، حتى لا يمكنني ستره.

لطّفت رأيك في وصلي وتكرمتي ... إنّ الكريم على العلياء يحتال

يقول: لطفت رأيك واحتلتفي إحراز ثنائي ومدحي، وهذه عادة الكرام بتوصلون إلى اكتساب المعالي بكل حيلة.

حتّى غدوت وللأخيار تجوالٌ ... وللكواكب في كفّيك آمال

يقول: لما تلطفت في إكرامي ومدحتك فجال ذكرك بين الناس، وطمعت النجوم في نوالك.

وهذان البيتان مدح أبو الطيب بهما نفسه! يعني: أنا كالنجم من بعدي من عطاء مثلك! فلما احتلت في إيصال برك إلي رغبت النجوم أيضا في نوالك.

وقد أطال ثنائي طول لابسه ... إنّ الثّناء على التّنبال تنبال

التنبال: القصير، وعنى بطول لابسه طول السؤدد والكرم.

يقول: إذا مدح الانسان كريما كثير الفضائل طال حمده بطول كرمه، وجاد شعره، وإذا مدح لئيما قليل الكرم لؤم شعره وقل؛ لأن المادح لا يجد ما يمدح به.

إن كنت تكبر أن تختال في بشرٍ ... فإنّ قدرك في الأقدار يختال

يقول: إن كنت ترفع نفسك من أن تتكبر على الناس، فإن قدرك يختال على كل قدر ويتكبر على كل ذي فخر.

كأنّ نفسك لا ترضاك صاحبها ... إلا وأنت على المفضال مفضال

ولا تعدّك صوّاناً لمهجتها ... إلاّ وأنت لها في الرّوع بذّال

يقول: كأن نفسك. تفوق كل متفضل من الناس ولا ترضى أن تكون صاحبها حتى تفضل على كل ذي فضل، ولا تعد أنك تصونها إلا بذلتها في الحرب، فأنت تقتحم على كل غمرة، وتحمل نفسك على كل مهلكة.

لولا المشقّة ساد النّاس كلّهم ... الجود يفقر والإقدام قتّال

يعني: أن السيادة لا تتم إلا ببذل المال ومخاطرة النفس، فالجود يؤدي إلى الفقر، والإقدام يفضي إلى العطب. ولولا مشقة هاتين الخلتين لكان الناس كلهم سادة.

وإنّما يبلغ الإنسان طاقته ... ما كلّ ماشيةٍ بالرّحل شملال

الشملال: الناقة السريعة الخفيفة. يعني: كل أحد يسعى على قدر همته ومبلغ طاقته، وليس الناس سواء، كما أنه ليس كل ناقة شملال.

إنّا لفي زمنٍ ترك القبيح به ... من أكثر النّاس إحسانٌ وإجمال

فصرنا في زمان لا خير عند أهله، فمن كف أذاه عن الناس فهو يحسن عندهم.

ولطف في قوله: من أكثر الناس حتى لا يدخل الممدوح.

ذكر الفتى عمره الثّاني، وحاجته ... ماقاته وفضول العيش أشغال

يقول: ذكر الإنسان بعد موته يقوم له مقام العمر الثاني، فكأنه موجود وغير معدوم، وحاجته من الدنيا ما يقوته، وما فضل عنه يكون شغلاً له.

يمنعه عن جمع المال ويحثه على العلا. وروى: ما فاته أي هو محتاج أبداً إلى ما لم ينله، فأما ما ناله فلا حاجة به إليه.

قال ابن جني: قد جمع في هذا البيت ما يعجز كل من يدعي الشعر والحكمة والكلام الشريف، فينبغي أن يلحق بالأمثال السائرة. ومثله لسالم بن وابصة:

غني النّفس ما يكفيك من سلخ حاجةٍ ... وإن زاد شيئاً كان ذاك الغني فقراً

وهو قد استوفى جميع ذلك وزاد عليه بقوله: ذكر الفتى عمره الثاني.

وتوفي أبو شجاع فاتك بمصر ليلة الأحد عشاء لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال سنة خمسين وثلاث مئة.

فقال أبو الطيب يرثيه عند موته ويهجو كافوراً وأنشدها بعد رحيله عن الفسطاط:

<<  <   >  >>