للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: بأبي من لا تريه الحرب أحداً من الناس مقبلا إليه، ولا يراه أحد مدبرا: أي لا يقدر على لقائه أحد، ولا يولي من بين يدي أحد أيضاً.

خنثى الفحول من الكماة بصبغه ... ما يلبسون من الحديد معصفرا

أي: جعل الفحول كالمخنثين الذين يلبسون المعصفرات: يعني خضب ثياب الكماة ودروعهم بدمائهم فصاروا كالمخنثين الذين يلبسون المعصفرات. وقيل: جعلهم كالمخنثين لجبنهم. وتقديره: بصبغه معصفرا ما يلبسون من الحديد.

يتكسّب القصب الضّعيف بخطّه ... شرفاً على صمّ الرّماح ومفخراً

أراد بالقصب الضعيف: القلم، وبالمفخر: الفخر.

يعني: إذا كتب بقلمه اكتسب قلمه بخطه شرفا على الرماح؛ لأنه يفعل بقلمه ما لا يفعله الفارس برمحه.

ويبين فيما مسّ منه بنانه ... تيه المدلّ فلو مشى لتبخترا

الهاء في منه للقصب.

يقول: يظهر في كل قصب مسه بنانه من التيه ما لو أمكنه المشي لتبختر في مشيه.

يا من إذا ورد البلاد كتابه ... قبل الجيوش ثنى الجيوش تحيّرا

يعني: إذا كتب لعدو كتاباً لم يحتج إلى إنفاذ الجيوش؛ لأنه يهزمهم بكتابه ويصيرهم متحيرين بوعده ووعيده.

وهذا المعنى ذكره ابن العميد لنفسه في قوله:

إذا ما حلّ أرض علاي خطبٌ ... كشفت الخطب عنها بالخطابه

وإن زحف الكتائب نحو أرضي ... قصمت عرى الكتائب بالكتابه

أنت الوحيد إذا ركبت طريقةً ... ومن الرّديف وقد ركبت غضنفرا

يقول: أنت في جميع أحوالك لا نظير لك، لا تركب إلا كل طريقة صعبة لا يطيقها أحد، ولا يتبعك فيها أحد؛ مخافة فضيحة، فكأنك ركبت الأسد، ومن ركب الأسد لا يمكن أحد من أن يصير رديفا له.

قطف الرّجال القول قبل نباته ... وقطفت أنت القول لمّا نوّرا

يقول: كلام الناس لم يدرك بعد، فهو كنور لم يتنور، وكلامك عذب فصيح كنور تنور وأدرك.

فهو المتبّع بالمسامع إن مضى ... وهو المضاعف حسنه إن كرّرا

فهو: أي القول.

يقول: كلامك كلما سمعه سامع استعاده وتتبعه بسمعه؛ لحسنه، وكلما كرر على المسامع ازداد حسنه.

وإذا سكتّ فإنّ أبلغ خاطبٍ ... قلمٌ لك اتخذ الأصابع منبراً

يقول: إذا سكت قام قلمك مقام خطابك، يخطب الناس ومنبره أصابعك شبه قلمه على أنامله بخطيب على منبر.

ورسائلٌ قطع العداة سحاءها ... فرأوا قناً وأسنّةً وسنّورا

السحاء ما يشد به القرطاس، سمي بذلك لأنه يسحي من ظهره أو يقشر، والسنور: ما لبس من جنس الحديد خاصة كالدروع والجواشن.

يقول: إذا فض أعداؤك كتبك رأوا من بلاغتك ما يملأ قلوبهم رعباً، فكأن الكتابة كتيبة فيها الرماح والأسلحة، تدفع بها الأعداء وتفل بها الجيوش.

وقيل: إنهم إذا رأوا فصاحتك ماتوا حسداً لك.

فدعاك حسّدك الرّئيس وأمسكوا ... ودعاك خالقك الرّئيس الأكبرا

كان ابن العميد يخاطب بالأستاذ الرئيس.

يقول: إن أعداءك خاطبوك بالرئيس، ولم يزيدوا عليه، والله تعالى قد سماك الرئيس الأكبر.

خلفت صفاتك في العيون كلامه ... كالخطّ يملأ مسمعي من أبصرا

الهاء في كلامه تعود إلى الخالق.

يعني: أن الله تعالى لم يدعك الرئيس الأكبر بصوت يسمع، وإنما جعل فيك صفات تقوم مقام كلامه، لأن صفاتك توجب لك هذه التسمية. فكأنها خط فيه حكاية قول الله تعالى: إنك الرئيس الأكبر. فكما أن الخط إذا نظر إليه فهم ما يدل عليه من المعاني، وإن لم يسمع، فكذلك يفهم في صفاتك هذا الاسم وإن لم يسمع.

أرأيت همّة ناقتي في ناقةٍ ... نقلت يداً سرحاً وخفّاً مجمرا؟!

اليد السرح: السهلة القبض والبسط، والخف المجمر: الصلب يقول: هل رأيت همة ناقتي فيما بين النوق، كيف علت سائر الهمم، حيث قصدتك، بنقل يد سرح وخف مجمر، وترك الملوك وراءها.

تركت دخان الرّمث في أوطانها ... طلباً لقومٍ يوقدون العنبراً

الرمث نبت يوقد به وإذا أكلته الإبل اشتكت بطونها.

يقول: تركت ناقتي أهل البادية الذين يوقدون الرمث، وقصدت ملكاً يوقد العنبر، فهمتها بخلاف همة سائر النوق. ومثله للبحتري:

نزلوا بأرض الزّعفران وجانبوا ... أرضاً تربّ الشّيح والقيصوما

وتكرّمت ركباتها عن مبركٍ ... تقعان فيه وليس مسكاً أذفرا

<<  <   >  >>