للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أليس من محن الدّنيا أبا دلفٍ ... ألا نزورك والرّوحان في بلد؟

وقال معاتبا:

أتاني عنك قولٌ فازدهاني ... ومثلك يتّقي أبداً ويرجى

ولولا ظنّةٌ خلعت فؤادي ... وجدت إليك طرقاً منك نهجا

فلمّا جئت أشرق منك بدرٌ ... وكان لتمّه الإسعاد برجا

وكتب إليه الضرير الضبي:

قد صحّ شعرك والنّبوّة لم تصح ... والقول بالصدق المبيّن يتّضح

فالزم مقال الشّعر تحظ برتبةٍ ... وعن النّبوّة لا أباً لك فانتزح

تربح دماً قد كنت توجب سفكه ... إنّ التمتّع بالحياة لمن ربح

فأجابه المتنبي:

نار الذراية من لساني تقتدح ... يغدو عليّ من النّهي ما لم يرح

بحرٌ لو اغترفت لطائم موجه ... بالأرض والسّبع الطّباق لما نزح

أمري إليّ، فإن سمحت بمهجةٍ ... كرمت عليّ، فإنّ مثلي من سمح

وقال أيضاً يفتخر بنفسه:

لي منصب العرب البيض المصاليت ... ومنطقٌ صيغ من درٍّ وياقوت

وهمّةٌ هي دون العرش منكبها ... وصار ما تحتها في لجّة الحوت

وقال يهجو حيدرة قاضي طرابلس:

هيناً فقدت من الرّجال بليدا ... من كان عند وجوده مفقودا

غلب التّبسّم يوم مات تفجّعي ... وغدا به رأي الحمام سديدا

يا صاحب الجدث الّذي شمل البري ... ية جوده لو كان لؤمك جودا

قد كنت أنتن منه يوم دخوله ... ريحاً وأكثر في الحياة صديدا

وأذلّ جمجمةً وأعيا منطقاً ... وأقلّ معروفاً وأذوى عودا

أسلمت لحيتك الطويلة للبلى ... وثويت لا أجراً ولا محمودا

وروى الأطبّة أنّ ما بك قاتل ... حمق شفاؤك كان منه بعيدا

وفساد عقلك نال جسمك معدياً ... وليفسدن ضريحه والدّودا

قسمت ستاه بنيه ميراث استه ... من بعده فغدت بغايا سودا

لو وصّلوا ما استدخلوا من فيشة ... في طولهم وصلوا السماء قعودا

أولاد حيدرة الأصاغر أنفساً ... ومناظراً ومخابراً وجدودا

سودٌ ولو بهر النّجوم بياضهم ... قلّ ولو كثروا التّراب عديدا

بليت بما يجدون كلّ بخيلةٍ ... حسناء كيلا تستطيع صدودا

شيءٌ كلا شيءٍ لو أنّك منهم ... في عسكر مجرٍ لكنت وحيدا

أسرف فإنّك صادقٌ في شتمهم ... في كلّ شيءٍ ما خلا التّحديدا

وقال أيضا يهجو آل حيدرة:

يا آل حيدرة المعفّر خدّهم ... عبد المسيح على اسم عبد مناف

تربا الكلاب بأن يكون أباً لها ... ويرين عاراً شدّة الإقراف

لا تجمعوا لغة النّبيط وتيهكم ... وأصولكم وأسامي الأشراف

وكتب إليه الضبي الشاعر الضرير وهو في الحبس:

أطللت يا أيّها الشّقيّ دمك ... لا رحم الله روح من رحمك

أقسمت لو أقسم الأمير على ... قتلك قبل العشاء ما ظلمك

فأجابه المتنبي:

إيهاً أتاك الحمام فاخترمك ... غير سفيهٍ عليك من شتمك

همّك في أمردٍ تقلّب في ... عين دواةٍ لصلبه قلمك

وهمّتي في انتضاء ذي شطبٍ ... أقدّ يوماً بحدّه أدمك

فاخسأ كليباً واقعد على ذنبٍ ... واطل بما بين إليتيك فمك

ومن شعر المتنبي مما ليس في ديوانه بل رواه الشيخ تاج الدين الكندي بسند صحيح متصل به بيتان وهما.

أبعين مفتقر إليك نظرتني ... فأهنتني وقذفتني من حالق

لست الملوم أنا الملوم؛ لأنّني ... أنزلت آمالي بغير الخالق

وله في سيف الدولة، وكان قد أمر بخيمة فصنعت له، فلما فرغ منها نصبها لينظر إليها، وكان على الرحيل إلى العدو، فهبت ريح شديدة فسقطت، فتشاءم بذلك ودخل الدار واحتجب عن الناس، فدخل عليه المتنبي بعد ثلاثة أيام، فأنشده حيث قال:

يا سيف دولة دين الله دم أبدا ... وعش برغم الأعادي عيشةً وغدا

هل أذهل الناس إلا خيمةٌ سقطت ... من المكارم حتى ألقت العمدا

خرّت لوجهك نحو الأرض ساجدةً ... كما يخرّ لوجه الله من سجدا

وقيل للمتنبي: مالك لم تمدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالبي رضي الله عنه فقال:

وتركت مدحي للوصيّ تعمّداً ... إذ كان نوراً مستطيلاً شاملا

وإذا استقلّ الشّيء قام بذاته ... وكذا ضياء الشّمس يذهب باطلا

<<  <   >  >>