للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: أراد أنها لدقة خصرها يظن المضاجع أنها زند: وهو الزند الذي يوري منه النار، والزند ينحف الخصر لكثرة القدح ووصول الحجر إليه من الجانبين، فكأنه شبهها في رقة خصرها بالزند.

كأن نقابها غيمٌ رقيقٌ ... يضيء بمنعه البدر الطلوعا

يقول: إن نقابها يشرق لإضاءة وجهها من تحته كما يشرق الغيم الرقيق من فوق القمر: الذي هو البدر. شبه نقابها بغيم رقيق، ووجها بالبدر ثم قال يضيء الغيم بسبب منعه البدر من الطلوع، ولو قال بدله الشمس لكان أبلغ.

أقول لها: اكشفي ضري. وقولي ... بأكثر من تدللها خضوعا

قوله: وقولي بأكثر، يعني بخضوع أكثر من تدللها، خضوعاً، فتكون الباء متعلقة بمحذوف، وتكون هذه الجملة خبراً لقولي، وخضوعاً نصب على الحال، تفسيرٌ للخضوع المقدر.

يقول: أقول لها في حال تضرعي وتواضعي لها: اكشفي ضري، وخضوعي في قولي هذا أكثر من تدللها علي على كثرته؛ وذلك أن الدلال يكون مع الخضوع، فكأنه يقول: إنها تتمنع وتتدلل وأنا أخضع لها وأتذلل حتى يزيد خضوعي على مالها من التدلل والتمنع، وإن كان تدللها غير متناهٍ كثيراً فخضوعي أكثر منه.

أخفت الله في إحياء نفس ... متى عصي الإله بأن أطيعا؟

يقول لها: أخفت لله تعالى في إحياء نفس على الوصال، فتكوني قد أحييته بعد الإماتة، أو يريد: إنك قد هممتي بإماتتي فكأنك خفت الله تعالى في تبقيتي على هذه الحال. وليس ذلك مما يخاف الله تعالى، بل إحياء نفس مما يتقرب به إلى الله تعالى، فكيف يعصي الإله بطاعته تعالى.

غدا بك كل خلو مستهاماً ... وأصبح كل مستور خليعا

وروى: كل خلق. والمستهام: من بلغ النهاية في الهوى. والخليع: هو المتظاهر بالهوى.

يقول: أصبح كل خلي من الهم والهاً بك متحيراً في هواك، وأصبح كل عفيف في حبك، خالعاً عذاره، ومثله:

ولو أن لقمان الحكيم تعرضت ... لعينيه ميٌّ سافراً كان يبرق

أحبك أو يقولوا جر نملٌ ... ثبيراً وابن إبراهيم ريعا

أو ها هنا بمعنى: أن أو إلى أن أو إلا أن.

يقول لها: إني أحبك إلى أن يقولوا: جر نملٌ ثبيراً وهو الجبل. وهذا لا يكون أبدا، أو إلى أن يقال: إن ابن إبراهيم، خوف وأفزع. وهذا أيضاً غير جائز، فلا يزول حبك أبداً عني، لأن هذين أبداً لا يكونان.

بعيد الصيت منبث السرايا ... يشيب ذكره الطفل الرضيعا

يقول: إنه رفيع الشأن، متفرق العساكر في البلدان؛ لكون البلاد كلها من ممالكه، أو للإغارة على أعدائه، ويشيب ذكر شجاعته الطفل الرضيع؛ لخوفه منه، وخص الطفل؛ لبعده عن الشيب، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: " يوماً يجعل الولدان شيباً ".

يغض الطرف عن مكرٍ ودهى ... كأن به وليس به خشوعا

الدهى: هو الدهاء. وخشوعاً: نصب لأنه اسم كأن. تقديره: كأن به خشوعاً، وليس أنه يغض طرفه عن مكرٍ ودهاءٍ، حتى كأنه لا يبصر شيئاً وهو مبصر، ولكن يتغافل بمكره، وهو يظن أنه خاشع البصر، وليس به خشوع لكنه يفعل مثل ذلك لدهائه.

إذا استعطيته مافي يديه ... فقدك، سألت عن سرٍّ مذيعا

فقدك: أي فحسبك، والمذيع: من عادته إفشاء السر، لأنه لا يكتمه. شبهه بمذيع السر، إذا سألوه المال. يعني: أن المذيع كما لا يكون له سر، كذلك هذا لا يثبت في يده غني.

قبولك منه منٌّ عليه ... وإلا يبتدىء يره فظيعا

منه: نصب لأنه مفعول قبولك، ومنٌّ عليه، خبر الابتداء وقبولك مبتدأ، وفظيع: أي أمر شديد منكر.

يقول: إذا قبلت بره وعطاءه فكأنك قد مننت عليه بقبولك ذلك، وإن لم يبتدىء بالنوال قبل السؤال، رأى ذلك قبيحاً منكراً. يعني: يسابقك إلى العطاء قبل الاستغناء.

لهون المال أفرشه أديماً ... وللتفريق يكره أن يضيعا

يقول: لهون المال عليه فرش تحته النطع من الأديم وصبه فوقه، لا لكرامته عليه، لأن النطع إنما يبسط لمن يضرب عنقه، ولو أراد إعزازه لجعله في الكيس، وإنما يكره أن يضيع المال، مخافة ألا يبلغ وقت تفريقه إياه، فيكره أن يضيع لأجل صرفه في مصارفه.

إذا ضرب الأمير رقاب قومٍ ... فما لكرامةٍ مد النطوعا

يقول: إن فرشه النطوع تحت المال، كما أنه إذا أراد أن يضرب رقاب قوم يلقى من تحتهم النطوع إهانةً لهم، لا إكراماً.

<<  <   >  >>