للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأفنى، وما أفنته، نفسي كأنما ... أبو الفرج القاضي له دونها كهف

يجوز في قوله: وما أفنته نفسي. تقديران.

أحدهما: أن ينصب نفسي بالفعل الأول. تقديره. فأفنى الضنى نفسي وما أفنته، فيكون الضنى فاعله، ونفسي مفعوله.

والثاني: أن ترفع نفسي بالفعل الثاني ما أفنته وتكون التاء مخبرة لتأنيث الفعل، ليست بضمير، وتحذف المفعول من الفعل الأول وهو المختار عند البصريين، لأن إعمال الثاني أولى لقربه من الاسم.

يقول: إن الضنى أفنى نفسي وأهلكها ولم تفنه نفسي، حتى كأن هذا الممدوح كهف الضنى دون النفس، فيمنع نفسي من أن تصل إليه. والمراد: أنه كهف له، وملجأ لنفسي وكيف يقدر الهوى على إفناء نفسي؟!

قليل الكرى لو كانت البيض والقنا ... كآرائه ما أغنت البيض والزغف

البيض: الأولى السيوف، والبيض الثانية: جمع بيضة، وهي الترك. والزغف: الدروع اللينة. وقيل: هي الطويلة.

يقول: إنه قليل النوم، صلب الرأي، فلو كانت البيض والرماح مثل رأيه في المضاء لم ينفع معها المغافر والدروع. والعرب تمتدح بقلة النوم.

يقوم مقام الجيش تقطيب وجهه ... ويستغرق الألفاظ من لفظه حرف

التقطيب: تعبيس الوجه.

يقول: إنه شجاع، فصيح، فعبوس وجهه في الحرب يقوم مقام العسكر في هزم الأعداء. وحرف من لفظه، يستفاد منه ما يستفاد من اللفظ الكثير من غيره. فكأن حرفه يستغرق جميع الألفاظ!

وإن فقد الإعطاء حنت يمينه ... إليه حنين الإلف فارقه الإلف

يقول: إنه لا يفتر عن العطاء، وإذا لم يعط في حال، حنت يمينه، واشتاقت إلى الإعطاء، كما يشتاق الصديق إلى صديقه بعد فراقه.

أديبٌ رست للعلم في أرض صدره ... جبالٌ جبال الأرض في جنبها قف

فاعل رست: جبالٌ. والقف المرتفع من الأرض.

يقول: هو أديب رست في صدره جبال العلم، التي هي إذا قيست جبال الأرض إليها صغرت في جنبها، كالقف إلى جنب الجبال. شبه العلوم التي في صدره بالجبال ثم فضلها على جبال الأرض.

جوادٌ سمت في الخير والشر كفه ... سمواً أود الدهر أن اسمه كف

متعدٍّ من ود: معنا. حمل الدهر على أن يود ويتمنى، وفاعله ضمير السمو، ومفعوله الدهر، والهاء في اسمه: للدهر، وفي كفه: للممدوح.

يقول: كفه قد علت في فعل الخير والشر، والنفع والضر، سمواً يتمنى الدهر أن يكون اسمه كفاً ليشاركه في الاسم، وإن فارقه في المعنى.

وأضحى وبين الناس في كل سيدٍ ... من الناس، إلا في سيادته خلف

أي بين الناس في سيادة كل سيد خلاف، إلا في سيادته، فإن الناس اتفقوا على أنه سيد.

يفدونه حتى كأن دماءهم ... لجاري هواه في عروقهم تقفو

يقول: يفديه الناس بأنفسهم، لتمكن حبه في قلوبهم، فكأن هواه جرى في عروقهم قبل جريان الدم فيها، وكأن دماءهم تتبع ما جرى في عروقهم من المحبة قبل جريان الدماء فيها. واللام في قوله: لجاري هواه يجوز أن تكون معناه: من أجل جاري هواه في عروقهم كأنه دماء تقفو، ومفعول تقفو محذوف على هذا، وهو في وهذا لجاري، ويجوز أن يكون متعلقاً بقوله: لجاري وهواه فيكون المفعول مقدماً على الفعل. والفعل معداً إليه باللام لتقدمه على الفعل، كقوله تعالى: " إن كنتم للرؤيا تعبرون " فتقديره: تقفو الدماء جاري هواه في العروق.

وقوفين في وقفين: شكرٍ ونائلٍ ... فنائله وقفٌ، وشكرهم وقف

وقوفين قيل: نصب بإضمار فعل. أي أذكر وقوفين. وقيل: على الحال من يفدونه وقيل من قوله تقفوا وقيل من قوله: بين الناس إلا في سيادته خلف في هذا الحال. وتقديره: رأيتك راكبين، أي أنا راكب، وأنت راكب.

يقول: إن الممدوح والناس واقفين وقفاً فالممدوح واقفٌ نائله على الناس. والناس واقفون شكرهم عليه. فجعل الممدوح مقابل الناس. فنائله وقفٌ على الناس كلها، وشكرهم وقف عليه وحده.

ولما فقدنا مثله دام كشفنا ... عليه، فدام الفقد وانكشف الكشف

قال ابن جنى: عليه بمعنى: عنه والهاء فيه: تعود إلى مثله. ومعناه: إنا لما لم نجد مثله طلبناه لعلنا نجده فدام كشفنا مدةً عن مثله، ثم لما لم نجد مثله دام الفقد بعد ذلك، وانقطع الكشف، على ألا ننظر له. ويجوز أن يكون بمعنى: له. والهاء للمدوح. فكأنه يقول: دام كشفنا لمثله وباقي الكلام على وجهه.

<<  <   >  >>