للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: إنه يستصغر ما يعطي القصاد من المال الكبير الخطر! حتى يظن أن دجلة مع كثرة فيضها، وغزارة مائها لا تكفي لشارب واحد.

كرماً فلو حدثته عن نفسه ... بعظيم ما صنعت لظنك كاذبا

نصب: كرماً على أنه مفعول لأجله أي يستصغره لأجل كرمه. وقيل: نصب على المصدر: أي كرم كرماً. عن ابن جنى.

يقول: إنه كريم يفعل أفعالاً عظيمة حتى لو حدثته عن أفعاله لظنك كاذباً، لعظم ما صنعت نفسه! ولا يعلم أنها صنعت ذلك؛ لاستعظامه إذا سمعه.

وهذا ليس بالمدح الجيد وهو إلى الجهل والغباوة أقرب.

سل عن شجاعته وزره مسالماً ... وحذار ثم حذار منه محاربا

حذار: أي احذر. وهو مبني على الكسر.

يقول: سل عن شجاعته لتعلم رجوليته والقه زائراً مسالماً؛ حتى تستفيد منه، واحذر أن تقصده وتجرب شجاعته مبارزاً، فإنه يهلكك ويقتلك للوقت، ولا تصل إلى مقصدك منه.

فالموت تعرف بالصفات طباعه ... لو لم تلق خلقاً ذاق موتاً آئباً

هذا تأكيد للبيت الذي قبله، ومعناه: أنه كما يموت من يحاوله، فتعرف أحوال شجاعته بالاستخبار، كما أن الموت تعرف صفاته وطباعه بالوصف لا بالتجربة، لأنك لا تلقى أحداً ذاقه ثم عاد، حتى تعرف حقيقته، فكذلك حاله والطباع: هي الطبع وهي مؤنثة. وقيل: هي جمع الطبع. وروى كالموت تعرف بالطباع صفاته أي يعرف الموت طبعاً ومشاهدة لا تجربة

إن تلقه لا تلق إلا جحفلاً ... أو قسطلاً أو طاعناً أو ضاربا

أو هارباً أو طالباً أو راغباً ... أو راهباً أو هالكاً أو نادبا

الجحفل: العسكر، وسمي به لكثرة الخيل فيه. والقسطل: الغبار. والنادب: المتفجع على أمر وقع فيه.

يقول: إذا لقيته لقيت عسكراً، أي يقوم مقام العسكر، أو يكون معه عسكر أو رأيت غباراً وطاعناً وضارباً؛ لأنه شجاع لا يكون إلا عند هذه الأمور. يجوز أن تكون هذه أحوال الممدوح أو هارباً: أي لا تلقاه إلا هارباً من قبيح، أو طالباً، لمكرمة أو راغباً إليه سفراً وحضراً، لا يفارقه السائل أو راهباً من بأسه، أو هالكاً بسيفه وسطوته، أو نادباً: أي متوجعاً ومتفجعاً؛ من إيقاعه به. وقيل نادباً: أي داعياً إلى القتال قائداً إليه من قولهم: ندبت فلاناً لهذا الأمر فانتدب.

وإذا نظرت إلى الجبال رأيتها ... فوق السهول عواسلاً وقواضبا

وإذا نظرت إلى السهول رأيتها ... تحت الجبال فوارساً وجنائبا

العواسل: الرماح المضطربة المهتزة. والجنائب: جمع جنيبة.

المعنى: أن عسكره ملأ السهل والجبل، فإذا نظرت إلى الجبال رأيتها فوق السهول كأنها رماح وسيوف، لكثرة ما عليها، وكأنها سترتها، فلا ترى سواها. وإذا نظرت إلى السهول قد امتلأت بفوارسه، وجنائبه، فكأنها صارت فوارس وجنائب.

وعجاجةً ترك الحديد سوادها ... زنجاً تبسم أو قذالاً شائبا

القذال: قذالان، وهما ما اكتنفنا القفا من يمين وشمال. يقول: رأيت عجاجةً. جعل سواد تلك العجاجة الحديد كأنها زنج أسود تبسم، أو قذالاً قد شاب. شبه لمعان السيوف في سواد الغبار، كتبم الزنجي حين يبدو بياض أسنانه من تحت سواده، أو بقذال قد شاب، فيلوح الشيب في وسط سواد الشعر وهو تشبيه عجيب.

فكأنما كسي النهار بها دجى ... ليلٍ وأطلعت الرماح كواكبا

روى: كسي أي ألبس. وروى: كسي أي لبس، فعلى هذا يقال: كسوته فكسي. والهاء في بها: للعجاجة.

يقول: كأن النهار بهذه العجاجة قد لبس ظلمة الليل، وكأن أسنة الرماح فيها بمنزلة الكواكب، فتكون الرماح قد أطلعت الكواكب، وهي أسنتها.

قد عسكرت معها الرزايا عسكراً ... وتكتبت فيها الرجال كتائبا

الهاء في معها وفيها: للعجاجة. وعكسرت: أي جمعت عسكراً وتكتبت: تجمعت.

يقول: قد جمعت المصائب جمع هذه العجاجة كعسكر لإهلاك أعدائه، وتجمعت في هذه العجاجة الرجال، فكانوا كتائب: أي قطعةً قطعة.

وإنما ذكر للرزايا عسكراً، وللرجال كتائب، لأن العساكر أكثر من الكتائب، فيدل على أن الرزايا أكثر على الأعداء من رجاله.

أسدٌ فرائسها الأسود يقودها ... أسدٌ يصير له الأسود ثعالبا

<<  <   >  >>