للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد شاءت الأقدار أن يعيش الطالب محمد بن عبد الوهاب في الموصل وسط المعركة الفكرية التي أثارها الشيخ أحمد بن الكولة، ولا ريب في أنه تأثر بها؛ للتشابه التام بين آرائه التي دعا إليها فيما بعد، وبين مبادئ سلفيي الموصل، الداعية إلى نبذ زيارة القبور وبناء القباب وتكبير العمائم وتوسيع ثياب علماء الدين، ووضع الأستار والعمائم والثياب على الأضرحة، والاستعانة بجاه أصحابها، والتمسك بالكتاب العزيز والسنة المطهرة١، فقد أكمل الله دينه وأتم نعمته على المؤمنين، وكل بدعة ضلالة، والضلالة وصاحبها في النار.

- ٦ -

تلك لمحات سريعة غير متسرعة عن عام دراسي أو بعض عام لرحلة علمية إلى مدينة الموصل الحدباء من رحلات الإمام محمد بن عبد الوهاب العلمية إلى أمصار العالم الإسلامي في وقت كانت كل أمصار المسلمين مفتوحة الأبواب لكل مسلم يطلب العلم أو الرزق، لا تفصل بينها الحدود والسدود، لا تجتاز إلا بجواز سفر وسمة دخول تؤهله للاجتياز مدة معينة من الزمن، يعتبر فيها (أجنبيًا) تلاحقه الشرطة وتراقبه العيون، وقد أصبحت تلك الأمصار الإسلامية مفتوحة لغير المسلمين مقفلة بوجه المسلم، فيها المسلم من غير أهلها غريب اليد والوجه واللسان، لا يواسيه أحد ولا يعينه على تحمل أعباء الحياة.

وقد كان طلاب العلم والعلماء قبل أن تقام الحدود والسدود بين ديار المسلمين يرحلون لطلب العلم والارتشاف من منابعه على زبدة العلماء الأعلام علمًا وعملاً وورعًا، فيحلون أهلاً وينزلون سهلاً. ويتسابق الناس للحفاوة بهم واستضافتهم وتزويدهم بالغذاء والكساء والغطاء والعطاء، فمتى يعود المسلمون إلى ما كانوا عليه؟ ومتى يصبحون كالجسد الواحد إخوة في الله!


١ الموصل في العهد العثماني (٤١٤-٤١٥) .

<<  <   >  >>