للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن الواضح أن الشيخ الجميلي أثر في تلميذه محمد بن عبد الوهاب في رجاحة عقله، وغزارة علمه، وفي التزامه بالكتاب والسنة وكرامة العلم والعلماء باعتباره العلم عبادة من أجل العبادات لا تجارة من أربح التجارات.

والشيخ الجميلي نسبة إلى (جميل) مصغرا١، وهو من أعراب البادية، ولكن ما استحضر من العلوم في خزانة محفوظته أجرتها على لسانه جري الماء المسجوم، كما قيل:

فلو بدا لشيوخ الحضر قمن له ... مستقبليه وقلن الفضل للبادى٢

ولعل من أسباب اختيار الطالب محمد بن عبد الوهاب الدراسة على الشيخ الجميلي بالإضافة إلى أن الشيخ عالم متين، هو أنه من أعراب البادية، والجنس للجنس يميل، وقد وافق شن طبقه، كما يقول المثل العربي المشهور.

أما أثر أقران محمد بن عبد الوهاب فيه يوم كان طالبًا في الموصل فهو أثر كل طالب علم بأقرانه، فالحديث عنه حديث معاد.

أما أثر أهل الموصل بالطلاب الذين يعكفون على الدراسات الدينية، فإن طالب العلم كما كانوا يطلقون على طلاب المدارس الدينية - كان موضع احترامهم العميق وحفاوتهم البالغة واهتمامهم الكبير، وكان أهل الموصل يرعون فقراء الطلاب حق الرعاية فتنهال عليهم العطايا والهدايا، ويدعون إلى الأفراح والولائم، فلا يشعر الغريب منهم بغربته، ولا الفقير بفقره، وكانت سكنى الغرباء في المدارس الدينية التي كانت تزودهم بالغذاء والكساء والغطاء بالإضافة إلى رعاية شيوخهم وأغنياء البلد وحكامها تلك الرعاية التي لا مثيل لها في المدن الأخرى إلا نادرا.

[السلفية في الموصل]

- ٥ -

وأراد الله سبحانه وتعالى أن يتيح للطالب الشاب وهو في الموصل أن يشهد أزمة


١ منهل الأولياء (١/٢٧١) .
٢ شمامة العنبر (٣٣٥) والجميليون اليوم سكنوا الرمادى والفلوجه وبغداد وعانة وسامراء والموصل وغيرها من المدن العراقية، وتحضروا ولم يبقوا أعراب بادية كما كانوا قبل مائة وخمسين سنة خلت.

<<  <   >  >>